الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الثامنة : حلف : لا يخرج فلان إلا بإذنه ، فأذن بحيث لم [ ص: 61 ] يسمح المأذون له ، ولم يعلم وخرج ، فطريقان : المذهب المنصوص والذي قطع به الجمهور : لا يحنث ، لأن الإذن والرضى قد حصل . وقيل وجهان ، وقيل : قولان منصوص ومخرج : أنه يحنث ، وهو مخرج من مسألة عزل الوكيل . وعلى هذا الخلاف ما لو قال لزوجته : إن خرجت بغير إذني ، فأنت طالق ، فأذن وخرجت وهي جاهلة بالإذن ، فينبغي أن يشهد على الإذن ليثبته عند التنازع . فإن لم تكن بينة ، فهي المصدقة بيمينها في إنكار الإذن . وفي كتاب ابن كج أن الزوج هو المصدق ، كما لو أنكر أصل التعليق . ثم قال الشافعي - رحمه الله - : الورع أن يحنث نفسه ، وليس معناه أن يعدها مطلقة من غير أن يطلقها ، لأنا حكمنا بأنها زوجته ، فكيف تنكح غيره ؟ بل إن كان علق الطلاق الثلاث ، فالورع أن يطلقها ثلاثا ، وإن كان المعلق طلقة رجعية ، وأراد إمساكها ، راجعها ، وإلا ، طلقها لتحل للأزواج ، فإن راجعها ، ثم طلقها طلقتين ، فالورع أن لا ينكحها إلا بعد زوج ، وإذا نكحها بعد زوج ، كانت عنده بطلقة ، فإن طلقها ، لم تحل إلا بزوج ، لأنه لم يقع عليها بالخروج شيء ، وقد طلقها بعده ثلاثا ، والزوج الثاني قبل استيفاء الثلاث لا أثر له .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حلف : لا يخرج فلان بغير إذنه ، أو إلا بإذنه ، فخرج بغير إذنه ، حنث ، وإن خرج بإذنه ، لم يحنث . وعلى التقديرين تنحل اليمين حتى لو خرج بعد ذلك بإذن أو بغير إذن ، لم يحنث . وكذا لو قال لزوجته : إن خرجت بغير إذني أو إلا بإذني فأنت طالق ، إن خرجت بغير إذنه ، طلقت ، وإن خرجت بالإذن ، لم تطلق ، وتنحل اليمين [ ص: 62 ] على التقديرين . وكذا الحكم لو قال : إن خرجت حتى آذن لك ، أو إلى أن آذن لك أو إلا أن آذن لك ، فأنت طالق . وحكي قول أو وجه وهو اختيار المزني والقفال ، أنه لا تنحل اليمين بخروجها بالإذن ، كما لو قال : إن خرجت لابسة للحرير ، فأنت طالق ، فخرجت غير لابسة ، لا تنحل اليمين ، حتى لو خرجت بعده لابسة طلقت ، والمذهب الأول ، وهو المنصوص ، لأن اليمين تعلقت بخرجة واحدة ، وهي الأولى . قال البغوي : ومقتضى هذا أنه لو قال : إن خرجت غير لابسة للحرير أو لابسة ، فأنت طالق ، فخرجت لابسة تنحل اليمين ، وهذا يخالف قول الغزالي : لو قال إن خرجت بلا خف ، فأنت طالق ، فخرجت بخف ، لا تنحل اليمين ، وفرق بينه وبين مسألة الإذن بفرق ضعيف ، فالوجه التسوية بين الصورتين ، كما ذكره البغوي . ولو قال : كلما خرجت ، أو كل وقت خرجت بغير إذني ، فأنت طالق ، فخرجت مرة بالإذن ، لم تنحل اليمين ، لأنها صيغة تكرار . فلو قال : أذنت لك في الخروج كلما أردت ، أغناه ذلك عن تجديد الإذن لكل خرجة . ولو قال : متى خرجت ، أو متى ما ، أو مهما ، أو أي وقت ، أو أي حين ، فالحكم كما لو قال : إن خرجت ، لأن هذه الصيغ لا تقتضي التكرار . وفي " الرقم " للعبادي : إلحاق متى ما ، ومهما بـ " كلما " وهو خلاف نصه في " الأم " . ولو قال : إن خرجت أبدا إلا بإذني ، فأنت طالق ، لم يلزم التكرار أيضا ، بل معناه في أي وقت خرجت ، قريب أم بعيد وإذا علق الطلاق كما صورنا ، ثم أذن لها في الخروج ، ثم رجع عن الإذن ، وخرجت بعده ، نص في " الأم " أنها لا تطلق ، لأن الإذن قد وجد ، فزال حكم اليمين ، والمنع بعده لا يفيد . ورأى أبوبكر الفارسي والمحققون تنزيل النص على ما إذا قال في التعليق : حتى آذن لك ، لأنه جعل إذنه غاية اليمين ، وقد حصل الإذن ، فأما إذا قال : بغير إذني أو إلا بإذني ، [ ص: 63 ] فإذا رجع ، ثم خرجت ، فهذا خروج بغير إذن ، وهو أول ما وجد بعد اليمين ، فيقع الطلاق . ومنهم من قال : قوله : إلا بإذني محتمل أيضا للغاية ، فيحمل عليها . ولو قال : إن خرجت بغير إذني لغير عيادة ، فأنت طالق ، فخرجت لعيادة ، ثم عرضت حاجة فاشتغلت بها ، لم تطلق . وإن خرجت لعيادة وغيرها . فالمذكور في " الشامل " منسوبا إلى نصه في " الأم " أنه لا يحنث ، وذكر البغوي أنه الأصح . ويشبه أن يقال : إن كان المقصود بقوله لغير عيادة ما هو بمعزل عنها ، لم يحنث ، وهذا هو السابق إلى الفهم منه ، وإن كان المقصود ما يغايره في الحقيقة ، فمجموع العيادة والحاجة الأخرى يغاير مجرد العيادة .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب الجزم بأنه لا يحنث . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وإن قال : إن خرجت إلا لعيادة ، فينبغي أن يحنث ، لأنه يصدق أن يقال : لم تخرج للعيادة بل لها ولغيرها .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية