الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المعنى: فاحذرونا؛ فإنا أبدنا الأمم السالفة؛ ودمرنا القرى المشيدة؛ عطف عليه قوله (تعالى):وإن ؛ أي: وما; وأعرق في النفي؛ فقال (تعالى): من قرية ؛ من القرى هذه؛ التي أنتم بها؛ وغيرها؛ إلا نحن ؛ أي: بما لنا من العظمة؛ مهلكوها ؛ بنوع من الهلاك؛ لما هم عليه من الكفر؛ أو العصيان؛ وعن مقاتل أنها عامة؛ للصالحة بالموت؛ [ ص: 452 ] والطالحة بالعذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الممكن ليس له من ذاته إلا العدم؛ وذلك مستغرق لزمان القبل؛ حذف الجار؛ فقال (تعالى): قبل يوم القيامة ؛ الذي أنتم به مكذبون؛ كما فعلنا في بيت المقدس؛ في المرتين المذكورتين أول السورة؛ لإفساد أهلها؛ فاحذروا مثل ذلك؛ أو معذبوها ؛ أي: القرية؛ بعذاب أهلها؛ عذابا شديدا ؛ مع بقائها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أكد ذلك بالاسمية؛ زاده تأكيدا في جواب من كأنه قال: هل في ذلك من ثنيا؟ لأن مثله لا يكاد يصدق؛ فقال (تعالى): كان ذلك ؛ أي: الأمر العظيم؛ في الكتاب ؛ الذي عندنا؛ مسطورا ؛ على وجه الخبر؛ والأخبار لا تنسخ؛ فلو لم يكن حشر كان أمرنا جديرا بأن يمتثل؛ حذرا من سطواتنا؛ ولا بد من أن نخيفكم بعد طول أمنكم؛ ونهلك كثيرا من أعزائكم؛ على يد هذا الرجل الواحد؛ الذي أنتم كلكم متمالئون عليه؛ مستهينون بأمره؛ مع أنا أرسلناه لعزكم؛ وعلو ذكركم؛ ولا بد أن ندخله إلى بلدكم هذا بجنود [ ص: 453 ] أولي بأس شديد؛ لإفسادكم فيه؛ واستهانتكم به؛ كما فعلنا ببني إسرائيل؛ حين أفسدوا في مسجدهم؛ كما تقدم; قال الإمام الحافظ أبو عمرو؛ عثمان بن سعيد الداني؛ في كتاب الفتن: حدثنا عبد بن أحمد بن محمد الهروي؛ في كتابه؛ ثنا عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين؛ ثنا محمد بن هارون الحضرمي؛ ثنا علي بن عبد الله التميمي؛ ثنا عبد المنعم بن إدريس قال: أخبرنا أبي؛ عن وهب بن منبه قال: الجزيرة آمنة من الخراب؛ حتى تخرب إرمينية؛ وإرمينية آمنة من الخراب حتى تخرب مصر؛ ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الكوفة؛ ولا تكون الملحمة الكبرى حتى تخرب الكوفة؛ فإذا كانت الملحمة الكبرى فتحت القسطنطينية على يدي رجل من بني هاشم؛ وخراب الأندلس من قبل الزنج؛ وخراب إفريقية من قبل الأندلس؛ وخراب مصر من انقطاع النيل؛ واختلاف الجيوش فيها؛ وخراب العراق من قبل الجوع؛ [ ص: 454 ] والسيف؛ وخراب الكوفة من قبل عدو من ورائهم؛ يحقرهم؛ حتى لا يستطيعوا أن يشربوا من الفرات قطرة؛ وخراب البصرة من قبل العراق؛ وخراب الأيلة من قبل عدو يحفزهم مرة برا؛ ومرة بحرا؛ وخراب الري من قبل الديلم؛ وخراب خراسان من قبل تبت؛ وخراب تبت من قبل الصين؛ وخراب الصين من قبل الهند؛ وخراب اليمن من قبل الجراد؛ والسلطان؛ وخراب مكة من قبل الحبشة؛ وخراب المدينة من قبل الجوع; حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد؛ حدثنا علي بن محمد بن نصير؛ حدثنا محمد بن خلف؛ أخبرنا سالم بن جنادة؛ أخبرنا أبي؛ عن هشام بن عروة؛ عن أبيه؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة"؛ انتهى؛ وقد أخرجه الترمذي من هذا الوجه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية