الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        النوع السادس في تأخير الحنث وتقديمه وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : حلف : ليأكلن هذا الطعام غدا ، فلا يخفى البر إن أكل غدا ، والحنث إن أخره عن الغد مع الإمكان . فلو تلف الطعام قبل الغد بنفسه ، أو بإتلاف أجنبي ، فقد فات البر بغير اختياره ، فيخرج حنثه على قولي المكره ، والأظهر أنه لا يحنث . ويقال : إنه المنصوص ، فإن قلنا : يحنث ، فهل يحنث في الحال لحصول اليأس ، أم بعد مجيء الغد ؟ فيه قولان أو وجهان ، فقطع ابن كج بالثاني . قال المتولي : وفائدة الخلاف أنه لو كان معسرا يكفر بالصوم ، جاز أن ينوي صوم الغد عن كفارته إن قلنا : يحنث قبل الغد .

                                                                                                                                                                        قلت : ومن فوائده لو مات الحالف قبل مجيء الغد أو أعسر ، وقلنا : يعتبر في الكفارة حال الوجوب . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 68 ] فإن قلنا : لا يحنث قبل مجيء الغد ، فهل يحنث إذا مضى من الغد زمن إمكان الأكل أم قبيل غروب الشمس ؟ وجهان . قال البغوي : أصحهما الأول ولو مات الحالف قبل مجيء الغد ، فقيل : هو كتلف الطعام ، فيكون على الخلاف ، والمذهب القطع بأن لا حنث ، وهو الذي يقتضي كلام ابن كج والبغوي وغيرهما ، لأنه لم يبلغ زمن البر والحنث . ولو مات بعد مجيء الغد وقبل إمكان الأكل ، فهو كتلف الطعام بعد مجيء الغد على ما سنذكره إن شاء الله تعالى من التفصيل ، وقطع المتولي بأن لا حنث .

                                                                                                                                                                        أما إذا تلف الطعام أو بعضه بعد مجيء الغد ، فينظر ، إن كان قبل التمكن من الأكل ، فهو كتلف الطعام قبل الغد ، وفيه الخلاف . وإن تلف بعد التمكن ، أو مات الحالف بعد التمكن ، فالمذهب الحنث ، لأنه تمكن من البر ، فصار كما لو قال : لآكلن هذا الطعام ، وتمكن من أكله ولم يأكله حتى تلف ، فإنه يحنث قطعا . فعلى هذا هل يحنث في الحال ، أم قبل غروب الشمس ؟ فيه الوجهان . ولو أتلف الحالف الطعام قبل الغد بأكله أو بغيره ، أو أتلف بعضه ، حنث ، وهل يحنث في الحال ، أم بعد مجيء الغد ؟ فيه الخلاف ، هما لو تلف . ولو قال : لآكلن هذا الطعام قبل غد ، فتلف قبل الغد وبعد التمكن ، حنث . وهل يكون حنثه في الحال ، أم إذا جاء أول الغد ؟ وجهان حكاهما الصيدلاني . ولو قال : لآكلنه اليوم ، فيقاس بما ذكرناه في الغد .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية