الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فكأنه قيل: لقد أطال في الاجتراء؛ فما قال له ربه بعد الثالثة؟ فقيل: قال ؛ مهددا له؛ اذهب ؛ أي: امض لثباتك الذي ذكرته؛ بإرادتي؛ لا بأمري؛ فإنك لن تعدو أمرنا فيك؛ وقد حكمنا بشقاوتك؛ وشقاوة من أردنا طاعته لك؛ ولذلك سبب عنه قوله (تعالى): فمن تبعك ؛ أي: أدنى اتباع؛ منهم ؛ أي: أولاد آدم - عليه السلام -؛ ويجوز أن يراد بتجريد الفعل أن من تبعه بغير معالجة من فطرته الأولى؛ لا يكون إلا عريقا في الشر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: "أذقته من خزيك"؛ عبر عنه بقوله (تعالى): فإن جهنم ؛ أي: الطبقة النارية التي تتجهم داخلها؛ جزاؤكم ؛ أي: جزاؤك؛ وجزاؤهم؛ تجزون ذلك جزاء موفورا ؛ مكملا؛ وافيا؛ بما تستحقون على أعمالكم الخبيثة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومادة "وفر"؛ بجميع تراكيبها - وهي خمسة عشر؛ في الواوي ستة: "وفر"؛ "ورف"؛ "فور"؛ "فرو"؛ "رفو"؛ "روف"؛ وفي اليائي ثلاثة: "فري"؛ "رفي"؛ "ريف"؛ وفي المهموز ستة: "رفأ"؛ "رأف"؛ "فرأ"؛ "فأر"؛ "أفر"؛ "أرف" - تدور على السعة؛ والمجاوزة للحد؛ والعلو على المقدار؛ والفضل عن الكفاية; فـ "الوفر": المكان الكبير؛ و"سقاء وفر": لم ينقص من أديمه شيء؛ و"إداوة وفراء"؛ و"الوفرة": ما بلغ الأذنين من الشعر؛ و"الوافر": [ ص: 465 ] ضرب من العروض؛ وزنه: "مفاعلتن"؛ ست مرات؛ و"الوفر": الغنى؛ و"من المال": الكثير الواسع؛ والعام من كل شيء؛ و"وفره توفيرا": أكثره؛ و"وفر له عرضه": لم يشتمه؛ و"وفر عطاءه": رده عليه وهو راض؛ و"وفره توفيرا": أكمله؛ وجعله وافرا؛ لأن الكمال لا يكاد يتحقق إلا مع زيادة؛ و"الثوب": قطعه وافرا؛ و"الوافرة": ألية الكبش إذا عظمت؛ والدنيا؛ والحياة؛ وكل شحمة مستطيلة؛ وهم متوافرون: فيهم كثرة؛ واستوفر عليه حقه: استوفاه.

                                                                                                                                                                                                                                      و"ورف النبت؛ يرف"؛ إذا رأيت له بهجة من ريه؛ ولا يكون ذلك إلا من نضارته؛ واتساعه؛ وكونه ملء العين؛ و"ورف الظل؛ يرف ورفا؛ ووريفا؛ ووروفا": اتسع؛ وطال؛ وامتد؛ كـ "أورف"؛ و"ورف"؛ و"الورف": ما رق من نواحي الكبد؛ لزيادته؛ واسترخائه؛ و"الرفة"؛ كـ "عدة": الناضر من النبت؛ و"ورفته توريفا": مصصته؛ و"الأرض": قسمتها؛ كأنه من الإزالة.

                                                                                                                                                                                                                                      و"فارت القدر"؛ إذا غلت حتى يعلو ما فيها؛ فتفيض؛ وكل حار يفور فورا؛ و"فار العرق"؛ إذا انتفخ؛ زاد في القاموس: وضرب؛ [ ص: 466 ] و"المسك": انتشر؛ و"فارة الإبل": فوح جلودها إذا نديت بعد الورد؛ و"الفائر": المنتشر العصب من الدواب وغيرها؛ و"أتوا من فورهم": من وجههم؛ أو قبل أن يسكنوا؛ لأن حركتهم توسع وانتشار؛ فسميت فورا؛ و"الفار": عضل الإنسان؛ لأنه أثخن مما دونه؛ و"الفور"؛ بالضم: الظباء؛ جمع "فائر"؛ لأنه من أسرع الحيوان نفارا؛ وأشدها وثبا؛ وأوسعها عدوا؛ وقال القزاز: و"الفارة"؛ و"الفورة": ريح تكون في رسغ الفرس؛ تنفش إذا مسحت؛ وتجتمع إذا تركت؛ وقال في "فأر": فإذا مست انفشت؛ وأعاده في القاموس؛ في المهموز؛ فقال: و"الفأرة"؛ له؛ أي: للذكر من الحيوان المعروف؛ وللأنثى؛ وريح في رسغ الدابة تنفش؛ إذا مسحت؛ وتجتمع إذا تركت؛ كـ "الفورة"؛ بالضم؛ و"الفور": ولد الحمار؛ لخفته؛ وسرعة حركته ووثبه؛ و"فوارتا الكرش": غدتان في جوف لحمتين؛ وقيل: "الفوارة": اللحمة التي في داخلها الغدة؛ وقيل: تكونان لكل ذي لحم؛ وذلك لوجوب الزيادة؛ سواء قلنا: إنها لحمة؛ أو غدة؛ [ ص: 467 ] وقال القزاز: وقالوا: ماء الرجل إنما يقع في الكلية؛ ثم في الفوارة؛ ثم في الخصية؛ فعلى هذا سمي؛ لأنه يقذف ما فيه إلى الخصية؛ و"الفياران"؛ بالكسر: حديدتان تكتنفان لسان الميزان؛ لاتساعهما عن اللسان؛ و"الفيرة"؛ بالكسر؛ بالهمز؛ وبغيره: تمر يغلى؛ ويمرس؛ ويطبخ بحلبة؛ تشربها النفساء؛ قاله القزاز؛ وفي مختصر العين: حلبة تطبخ; فإذا فارت فوارتها ألقيت في معصرة؛ ثم صفيت؛ وتحسيها النفساء؛ وأعاده في القاموس في المهموز؛ وقال: و"الفئرة"؛ بالكسر؛ و"الفؤارة"؛ كـ "ثمامة"؛ و"الفئيرة"؛ و"الفئرة"؛ كـ "عنبة"؛ ويترك همزها: حلبة تطبخ للنفساء؛ سميت إما لغليانها؛ وإما للاتساع؛ بجمع التمر والحلبة.

                                                                                                                                                                                                                                      و"الفرو"؛ و"الفروة": لبس معروف؛ لخروج صوفها؛ وزيادة الرفق به؛ كأنها أصل المادة كلها؛ و"فروة الرأس": جلدته بشعرها؛ و"الفروة": الأرض البيضاء؛ ليس لها نبات؛ لأنه أوسع لها من حيث هي؛ و"الفروة": [ ص: 468 ] الغنى والثروة؛ وقطعة نبات مجتمعة يابسة؛ وجبة شمر كماها؛ لأنه لولا زيادتهما ما شمرا؛ ونصف كساء يتخذ من أوبار الإبل؛ كأنه شبه بالفروة لطول وبره؛ وخريطة يجعل السائل فيها صدقته؛ والتاج؛ لاتساعه؛ وعلوه؛ وكماله؛ ولغنى صاحبه؛ وخمار المرأة؛ لزيادته على كفايتها؛ ولسبوغه؛ وفضله عن رأسها.

                                                                                                                                                                                                                                      و"رفا الثوب؛ يرفوه": أصلحه؛ ولأم خرقه؛ وقال في القاموس؛ في المهموز: وضم بعضه إلى بعض؛ قال القزاز: والهمز أكثر; و"الرفاء"؛ كـ "كساء": الالتحام؛ والاجتماع؛ والاتفاق؛ ومنه ما يدعى به للمتزوج: بالرفاء والبنين؛ وأعادوه في المهموز؛ وقال في القاموس: أي: بالالتئام وجمع الشمل؛ قال القزاز: ومعنى "رفا": تزوج؛ و"الأرفى": العظيم الأذنين في استرخاء؛ قال القزاز: و"الأذن الرفواء"؛ هي التي تقبل على الأخرى؛ حتى تكاد تماس أطرافهما; و"رفوت الرجل": إذا سكنته من رعب؛ وأعاده في القاموس في المهموز؛ لأن ذلك [ ص: 469 ] أوسع لفكره؛ لأنه أقر لعينه.

                                                                                                                                                                                                                                      و"الروف": السكون؛ وهو أوسع من الاضطراب؛ لأنه لا يكون إلا عن قرار العين؛ قال في القاموس: وليس من الرأفة؛ و"الروفة": الرحمة؛ و"راف؛ يراف": لغة في "رأف؛ يرأف"؛ وستأتي بقيتها قريبا إن شاء الله (تعالى).

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية