الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين .

                                                                                                                                                                                                                                      ليس عليكم جناح أن تبتغوا : أي: في أن تبتغوا؛ أي: تطلبوا؛ فضلا من ربكم ؛ عطاء؛ ورزقا منه؛ أي: الربح بالتجارة؛ (وقيل: كان عكاظ؛ ومجنة؛ وذو المجاز - أسواقهم في الجاهلية - يقيمونها أيام مواسم الحج؛ وكانت معايشهم منها؛ فلما جاء الإسلام تأثموا منه؛ فنزلت.

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا أفضتم من عرفات ؛ أي: دفعتم منها بكثرة؛ من "أفضت الماء"؛ إذا صببته بكثرة؛ وأصله: "أفضتم أنفسكم"؛ فحذف المفعول؛ حذفه من "دفعت من البصرة"؛ و"عرفات": جمع سمي به؛ كـ "أذرعات"؛ وإنما نون؛ وكسر؛ وفيه علمية وتأنيث؛ لما أن تنوين الجمع تنوين المقابلة؛ لا تنوين التمكن؛ ولذلك يجمع مع اللام؛ وذهاب الكسرة تبع ذهاب التنوين من غير عوض؛ لعدم الصرف؛ وههنا ليس كذلك؛ أو لأن التأنيث إما بالتاء المذكورة؛ وهي ليست بتاء التأنيث؛ وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث؛ أو بتاء مقدرة؛ كما في "سعاد"؛ ولا سبيل إليه؛ لأن المذكورة تأبى تقديرها؛ لما أنها كالبدل منها؛ لاختصاصها بالمؤنث؛ كتاء "بنت" وإنما سمي الموقف "عرفة" لأنه نعت لإبراهيم - عليه السلام -؛ فلما أبصره عرفه؛ أو لأن جبريل - عليه السلام - كان يدور به في المشاعر؛ فلما رآه قال: عرفت؛ أو لأن آدم؛ وحواء؛ التقيا فيه؛ فتعارفا؛ أو لأن الناس يتعارفون فيه؛ وهي من الأسماء المرتجلة؛ إلا من يجعلها جمع "عارف"؛ قيل: وفيه دليل على وجوب الوقوف بها؛ (لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده؛ وهي مأمور بها؛ بقوله (تعالى): ثم أفيضوا ؛ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة؛ فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج"؛ أو مقدمة للذكر المأمور به؛ وفيه نظر؛ إذ الذكر غير واجب؛ والأمر به غير مطلق؛ فاذكروا الله ؛ بالتلبية؛ والتهليل؛ والدعاء؛ وقيل: بصلاة العشاءين؛ عند المشعر الحرام ؛ هو جبل يقف عليه الإمام؛ ويسمى "قزح"؛ (وقيل: ما بين مأزمي عرفة؛ ووادي محسر؛ ويؤيد الأول ما روى جابر أنه - عليه الصلاة والسلام - لما صلى الفجر؛ يعني بالمزدلفة؛ بغلس؛ ركب ناقته؛ حتى أتى المشعر الحرام؛ فدعا فيه؛ وكبر؛ وهلل؛ ولم يزل واقفا حتى أسفر؛ وإنما سمي مشعرا لأنه معلم العبادة؛ ووصف بـ "الحرام" لحرمته؛ ومعنى "عند المشعر الحرام": ما يليه؛ ويقرب منه؛ فإنه أفضل؛ وإلا فالمزدلفة كلها موقف؛ إلا وادي محسر؛ واذكروه كما هداكم ؛ أي: كما علمكم؛ أو: اذكروه ذكرا حسنا؛ كما هداكم هداية حسنة إلى المناسك؛ وغيرها؛ و"ما" مصدرية؛ أو كافة؛ وإن كنتم من قبله ؛ من قبل ما ذكر من هدايته إياكم؛ لمن الضالين ؛ غير العاملين بالإيمان؛ والطاعة؛ و"إن" هي المخففة؛ واللام هي الفارقة؛ وقيل: هي نافية؛ واللام بمعنى "إلا"؛ كما في قوله - عز وعلا -: وإن نظنك لمن الكاذبين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية