الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هؤلاء على منهاج الرسل لأنهم عبدوا الله أولا كما أشار إليه السياق فانكسرت نفوسهم ثم ذكروه على تلك المراتب الثلاث فنارت قلوبهم بتجلي نور جلاله سبحانه وتعالى فتأهلوا بذلك للدعاء فكان دعاؤهم كاملا، كما فعل الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال: الذي خلقني فهو يهدين الآيات حتى قال رب هب لي حكما وألحقني [ ص: 160 ] بالصالحين فقدم الذكر على الدعاء وكما هدى إليه آخر آل عمران في قوله: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا الآيات، فقدموا الطاعة عظم شأنهم بقوله على سبيل الاستئناف جامعا على معنى من بشارة بكثرة الناجي في هذه الأمة أو يكون الجمع لعظم صفاتهم: أولئك أي العالو المراتب العظيمو المطالب لهم أي هذا القسم فقط لأن الأول قد أخبر أن الأمر عليه لا له.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان غالب أفعال العباد على غير السداد وأقل ما فيها أن تكون خالية عن نية حسنة قال مشيرا إلى ذلك: نصيب وهو اسم للحظ الذي أتت عليه القسمة بين جماعة، كائن مما لو [ ص: 161 ] قال: طلبوا - مثلا، لم يعم جميع أفعالهم; ولو قال: فعلوا، لظن خروج القول فعدل إلى قوله: كسبوا أي طلبوا وأصابوا وتصرفوا واجتهدوا فيه وجمعوا من خلاصة أعمالهم القولية والفعلية ومنها الاعتقادية وهو ما أخلصوا فيه فهو الذي يثابون عليه وهو قليل بالنسبة إلى باقي أعمالهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان أسرع الناس حسابا أعلمهم بفنونه خطأ وصوابا وكان التقدير: فالله عالم بخفي أعمالهم وجليها وتمييز جيدها من رديئها فهو يجازيهم على حسب ذلك عطف عليه قوله: والله أي المحيط علما وقدرة سريع الحساب وهو أحصى الأعمال وبيان ما يجب لكل منها الجزاء واتصاله إلى العامل لما له من سعة العلم وشمول القدرة، قيل لبعضهم: كيف يحاسب الله الخلق في وقت واحد؟ قال: كما يرزقهم في وقت واحد، وفيه ترغيب بأنه لا ينسى عملا، وترهيب بأنه لا يمشي عليه باطل ولا يقدر على مدافعته مطاول.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية