الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [44] هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا .

                                                                                                                                                                                                                                      هنالك الولاية لله الحق أي: قي ذلك المقام وتلك الحالة التي وقع فيها الإهلاك. (الولاية) بفتح الواو أي: النصرة لله وحده، لا يقدر عليها أحد غيره. فالجملة مقررة ومؤكدة لقوله: ولم تكن له فئة ينصرونه لأنها بمعناها. أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على المشركين وينتقم لهم ويشفي صدورهم من أعدائهم، كما نصر على الكافر صاحبه المؤمن، وصدق قوله: فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء ويعضده قوله تعالى: هو خير ثوابا وخير عقبا أي: لأوليائه. فلا ينقص لمؤمن درجة، في الدنيا، ولا يترك لكافر عقوبة لشرفه، بل يعاقبه بذنبه ويظهر فضل المؤمن عليه. وقرئ ((الولاية)) بكسر الواو بمعنى السلطان والملك. أي: هنالك [ ص: 4064 ] السلطان له والملك. لا يغلب ولا يمتنع منه. أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطر. يعني أن: يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ، كلمة ألجئ إليها فقالها، جزعا مما دهاه من شؤم كفره. ولولا ذلك لم يقلها. كقوله تعالى: فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين

                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله إخبارا عن فرعون: حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين أو (هنالك) إشارة إلى الآخرة. أي: في تلك الدار الولاية لله. كقوله: لمن الملك اليوم ويناسبه قوله: هو خير ثوابا وخير عقبا و(هنالك) على الأوجه المتقدمة، خبر مقدم و(الولاية) مبتدأ مؤخر. والوقف على (منتصرا). وجوز بعضهم كون هنالك معمولا لــ (منتصرا) وإن الوقف عليه. أي: على (هنالك) وإن (الولاية لله) جملة من مبتدأ وخبر مستأنفة. أي: وما كان منتصرا في ذلك الوطن الذي حل به عذاب الله. فلم يكن منقذ له منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأقول: هذا الثاني ركيك جدا، مفكك لرؤوس الآي في السورة. فإنها قطعت كلها بالاسم المنصوب. وشبهة قائله جوازه عربية. وما كل جائز عربية رقيق الحواشي بلاغة. ولذلك لم يعول عليه الزمخشري ومن تابعه. و(الحق) قرئ بالرفع صفة (للولاية) وبالنصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة المنصوب بعامل مقدر. وبالجر صفة للفظ الجلالة. (عقبا) قرئ بسكون القاف وضمها. وهما العاقبة كالعشر والعشر.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      يذكر كثير من المفسرين هنا وجها في هذا المثل. وهو أن الرجلين المذكورين فيه [ ص: 4065 ] كانا موجودين ولهما قصة. ولا دليل في ذلك ولا اتجاه. فإن التمثيل بشيء لا يقتضي وجوده. وجوز في هذا المثل أن يكون من باب الاستعارة التمثيلية والتشبيه. وأن يكون المثل مستعارا للحال الغريبة، بتقدير (اضرب) مثلا، مثل رجلين، من غير تشبيه واستعارة. وقد عني بأن الرجلين في التمثيل، مشركو مكة ، وما كانوا عليه من الفخر بأموالهم والبذخ بخولهم، وغمط المستضعفين من المؤمنين. وما آل إليه أمر الفريقين، مما طابق المثل الممثل، مطابقة طبقت الآفاق. مصداقا لوعده تعالى، سيكون الأمر في الآخرة أعلى: وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أشار تعالى إلى سرعة فناء ما يتمتعون به من الدنيا، ويختالون به بقوله سبحانه:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية