الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 551 ] القول في تأويل قوله ( فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ( 83 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما أبى قوم لوط مع توبيخ لوط إياهم على ما يأتون من الفاحشة ، وإبلاغه إياهم رسالة ربه بتحريم ذلك عليهم إلا التمادي في غيهم ، أنجينا لوطا وأهله المؤمنين به ، إلا امرأته ، فإنها كانت للوط خائنة ، وبالله كافرة .

وقوله : ( من الغابرين ) ، يقول : من الباقين .

وقيل : ( من الغابرين ) ، ولم يقل " الغابرات " ، لأنه أريد أنها ممن بقي مع الرجال ، فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قيل : " من الغابرين " .

والفعل منه : " غبر يغبر غبورا ، وغبرا " ، وذلك إذا بقي ، كما قال الأعشى :


عض بما أبقى المواسي له من أمة في الزمن الغابر



وكما قال الآخر :

[ ص: 552 ]

وأبي الذي فتح البلاد بسيفه     فأذلها لبني أبان الغابر



يعني : الباقي .

فإن قال قائل : فكانت امرأة لوط ممن نجا من الهلاك الذي هلك به قوم لوط؟

قيل : لا بل كانت فيمن هلك .

فإن قال : فكيف قيل : ( إلا امرأته كانت من الغابرين ) ، وقد قلت إن معنى " الغابر " الباقي؟ فقد وجب أن تكون قد بقيت؟

قيل : إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه ، وإنما عنى بذلك ، إلا امرأته [ ص: 553 ] كانت من الباقين قبل الهلاك ، والمعمرين الذين قد أتى عليهم دهر كبير ومر بهم زمن كثير ، حتى هرمت فيمن هرم من الناس ، فكانت ممن غبر الدهر الطويل قبل هلاك القوم ، فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب .

وقيل : معنى ذلك : من الباقين في عذاب الله .

ذكر من قال ذلك :

14839 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( إلا عجوزا في الغابرين ) ، [ سورة الشعراء : 171 - سورة الصافات : 135 ] ، في عذاب الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية