الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا من يرهم بادي النظر؛ يحسبهم أيقاظا؛ أي: يظنهم أيقاظا؛ والحقيقة أنهم رقود؛ والأيقاظ جمع "يقظ "؛ و "الرقود "؛ جمع "راقد "؛ أو هو مصدر وصف به؛ والمصدر الذي يوصف به يلتزم المصدرية؛ فلا يثنى ولا يجمع؛ وإن هؤلاء الفتية عندما أصابهم الرقود كانت عيونهم مفتوحة؛ فيظنهم الناظر أنهم أيقاظ؛ ليسوا نائمين؛ ولأنهم بإرادة الله يتقلبون ذات اليمين؛ وذات الشمال؛ ويقول (تعالى): ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال أي يتقلبون بإرادة الله (تعالى) إلى اليمين؛ وإلى الشمال؛ وتلك حال من يكونون بين اليقظة والنوم؛ ويقلبهم الله ذات اليمين؛ وذات الشمال؛ لكيلا تتعفن أجسامهم إذا بقوا على حال واحدة؛ ولأن أحسن الأحوال للنائم ألا ينام مضطجعا؛ ولا يلتزم جانبا واحدا يمينا؛ أو شمالا؛ بل يتقلب بينهما؛ لكيلا تكون الأعضاء الداخلية - من كبد؛ وقلب؛ ومعدة - على ثقل واحد؛ بل تتغير أثقالها.

                                                          وهم في هذا التقلب الذي يكون؛ كالنائم المعتاد؛ وما يقوله بعض المفسرين من أنهم كانوا يتقلبون كل سنة؛ أو سنتين؛ أو سنين؛ رجم بالغيب؛ ولا أساس له من رواية صحيحة؛ ولا نقل عن معصوم.

                                                          وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد و "كلبهم "؛ بفناء الكهف؛ أو على عتبته؛ باسط ذراعيه؛ يحس الرائي أنه يحرس قوما أيقاظا؛ وهكذا كل مظاهر الحياة كانت بادية [ ص: 4507 ] أمام الناظرين؛ و "الوصيد "؛ هو فناء الكهف؛ أو عتبته؛ أو على مقربة منه؛ وهذا الكلب يقال: إنه كليب صيد لهم؛ فكان مثلهم؛ ولقد كان ما يقرب من الكرام يكرم مثلهم؛ فكرم كما كرموا.

                                                          لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا هذه مظاهرهم؛ ولو اطلعت أيها المخاطب المعرف بأمرهم؛ وفحصت حالهم؛ لوليت منهم فرارا أي: لآثار الاستغراب في نفسك؛ ما يبعدك عن أحياء ليس فيهم مظاهر الحياة؛ بل فيهم رهبة وهيبة؛ وما يثير العجب؛ لأنه غير مألوف؛ أن ترى أشخاصا يمكثون مئين من السنين على حال ما هي حياة؛ فيها كل مظاهر الحياة؛ من حركة وكلام؛ ولكنك لا ترى إلا سكونا؛ ومظاهر الحياة موجودة؛ من عيون يقظة؛ هذه تجعل الناظرين يحسبون أنهم ليسوا أمواتا؛ ولا أحياء؛ وما لا يألفه الإنسان يفر منه فرارا؛ والخلاصة أنهم لو علموا حالهم؛ واطلعوا على أمورهم لولوا هاربين؛ فارين منهم؛ يحسبون أنهم ليسوا أناسي.

                                                          ولملئت منهم رعبا والخطاب للقارئ؛ أو السامع بأخبارهم؛ المعرف لأحوالهم؛ هذه حالهم التي لبثوا عليها حتى بعثهم الله (تعالى)؛ ولنقرأ خبر بعثهم؛ قال (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية