الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1176 [ ص: 369 ] 8 - باب: إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع

                                                                                                                                                                                                                              1233 - حدثنا يحيى بن سليمان قال : حدثني ابن وهب قال : أخبرني عمرو ، عن بكير ، عن كريب ، أن ابن عباس ، والمسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنهم أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها ، فقالوا : اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر وقل لها : إنا أخبرنا أنك تصلينهما وقد بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها . وقال ابن عباس : وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنهما . فقال كريب : فدخلت على عائشة رضي الله عنها فبلغتها ما أرسلوني . فقالت : سل أم سلمة . فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها ، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة . فقالت أم سلمة رضي الله عنها : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنها ، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ، ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فأرسلت إليه الجارية فقلت : قومي بجنبه ، قولي له : تقول لك أم سلمة : يا رسول الله ، سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما . فإن أشار بيده فاستأخري عنه . ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف قال : "يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان " [4370 - مسلم : 834 - فتح: 3 \ 105]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث غريب أن ابن عباس ، والمسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن الأزهر أرسلوه إلى عائشة . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وهو حديث أم سلمة عن الركعتين بعد العصر ، وفيه : فأشار بيده فاستأخرت عنه . وأخرجه مسلم ،

                                                                                                                                                                                                                              ويأتي في المغازي أيضا ، وذكره تعليقا في باب ما يصلى بعد [ ص: 370 ] العصر من الفوائت ونحوها ، فقال : وقال كريب : عن أم سلمة : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر ركعتين . الحديث ، وقد سلف .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (كنت أضرب مع عمر الناس عليها ) . كذا هو بالضاد المعجمة ، وهو الصحيح ; لأنه جاء في "الموطأ " : كان عمر يضرب عليها . روى السائب بن يزيد أنه رأى عمر يضرب المنكدر على الصلاة بعد العصر . وروي : أصرف . بالصاد المهملة والفاء .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في الإشارة المفهمة في الصلاة ، فقال مالك والشافعي : لا تقطع الصلاة . وقال أبو حنيفة وأصحابه : تقطعها كالكلام . واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعا : "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ، ومن أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد "

                                                                                                                                                                                                                              واحتج الأولون بحديث الباب وقالوا : قد جاء من طرق متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإشارة مفهمة ، فهي أولى من هذا الحديث ، وليست الإشارة [ ص: 371 ] في طريق النظر كالكلام ; لأن الإشارة إنما هي حركة عضو ، وقد رأينا حركة سائر الأعضاء غير اليد في الصلاة لا تفسدها وكذلك حركة اليد .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : جواز استماع المصلي إلى ما يخبره به من ليس في الصلاة ، وقد روى موسى عن القاسم أن من أخبر في الصلاة بما يسره فحمد الله ، أو بمصيبة فاسترجع ، أو يخبر بالشيء فيقول : الحمد لله على كل حال ، أو الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . فلا يعجبني وصلاته مجزئة ، ومداومته - صلى الله عليه وسلم - على هاتين الركعتين بعد العصر دائما من خصائصه ، وليس لنا ذلك على الأصح .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أنه ينبغي أن يسأل أعلم الناس بالمسألة ، وأن العلماء إذا اختلفوا يرفع الأمر إلى الأعلم والأفقه لملازمة سبقت له ، ثم يقتدى به وينتهى إلى فعله .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : فضل عائشة وعلمها ; لأنهم اختصوها بالسؤال قبل غيرها ، وإنما رفعت المسألة إلى أم سلمة ; لأن عائشة كانت تصليهما بعد العصر ، وعلمت أن عند أم سلمة من علمها مثل ما عندها ، وأنها قد رأته - صلى الله عليه وسلم - يصليهما في ذلك الوقت في بيتها ، فأرادت عائشة أن تستظهر بأم سلمة ; تقوية لمذهبها ; من أجل ظهور نهيه - صلى الله عليه وسلم - عنها ; وخشية الإنكار ; لقولها متفردة . وقد حفظ عن عائشة أنها قالت : ما تركهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي سرا ولا جهرا ، تريد : جهرا منها ، وكان لا يصليهما في المسجد ; مخافة أن يثقل على أمته .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 372 ] وادعى ابن بطال أن الركعتين صلاهما ذلك اليوم في بيت أم سلمة هنا غير اللتين كان يلتزم صلاتهما في بيت عائشة بعد العصر ، وإنما كانت الركعتان بعد الظهر على ما جاء في الحديث ، فأراد إعادتهما ذلك الوقت ; أخذا بالأفضل ، لا أن ذلك واجب عليه في سننه ; لأن السنن والنوافل إذا فاتت أوقاتها لم يلزم إعادتها . هذا لفظه ، ولا يسلم له ، وبناه على مذهبه في السنن ، وعندنا أنها تقضى أبدا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : مذهب عائشة أنها تبيح النافلة في هذا الوقت ، وأقسمت أنه - صلى الله عليه وسلم - ما تركها في بيتها . وقال مثل قولها داود ، خاصة أنه لا بأس بعد العصر ما لم تغرب ، ودليل مالك والجمهور النهي .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية