الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 309 ] والأجرة تستحق باستيفاء المعقود عليه ، أو باشتراط التعجيل أو بتعجيلها ، وإذا تسلم العين المستأجرة فعليه الأجرة وإن لم ينتفع بها ، فإن غصبت منه سقط الأجر ، ولرب الدار أن يطالب بأجرة كل يوم والجمال بأجرة كل مرحلة ، وتمام الخبز إخراجه من التنور ، وتمام الطبخ غرفه ، وتمام ضرب اللبن إقامته ( سم ) ، ومن لعمله أثر في العين كالصباغ والخياط والقصار يحبسها حتى يستوفي الأجر ، فإن حبسها فضاعت لا شيء ( سم ) ولا أجر له عليه ، ومن لا أثر لعمله كالحمال والغسال ليس له ذلك ، - وإذا شرط على الصانع العمل بنفسه ليس له أن يستعمل غيره ، وإن قال : إن سكنت هذا الحانوت عطارا فبدرهم ، وحدادا بدرهمين جاز ( سم ) ، وأي العملين عمل استحق المسمى له .

التالي السابق


فصل

( والأجرة تستحق باستيفاء المعقود عليه ، أو باشتراط التعجيل أو بتعجيلها ) لأن الأجرة لا تجب بنفس العقد لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " ولو وجبت بنفس العقد لما جاز تأخيره إلا برضاه ، والنص يقتضي الوجوب بعد الفراغ ، لأن العرق إنما يوجد بالعمل ، ولأن المنفعة لا يمكن استيفاؤها لذي العقد لأنها تحدث شيئا فشيئا ، وهي عقد معاوضة فتقتضي المساواة فلا تجب الأجرة بنفس العقد ، فإذا استوفى المعقود عليه استحق الأجرة عملا بالمساواة ، وإذا اشترط التعجيل أو عجلها فقد رضي بإسقاط حقه في التأجيل فيسقط .

قال : ( وإذا تسلم العين المستأجرة فعليه الأجرة وإن لم ينتفع بها ) لأن تسليم المنفعة غير ممكن فأقيم تسليم العين مقامها ليتمكن من الانتفاع .

قال : ( فإن غصبت منه سقط الأجر ) لأنه زال التمكن فبطلت لما بينا أنها تنعقد شيئا فشيئا ، ولو غصبها في بعض المدة سقطت حصته لما بينا .

قال : ( ولرب الدار أن يطالب بأجرة كل يوم ) وكذا جميع العقار ، لأن أحد العوضين صار منتفعا به مدة مقصودة ، فيجب أن يكون العوض الآخر كذلك تحقيقا للمساواة; وقضية ما ذكرنا أن له المطالبة ساعة فساعة إلا أن فيه حرجا عظيما وضررا ظاهرا فقدرناه باليوم تيسيرا ، ولأنا لا نعرف حصة كل ساعة .

قال : ( والجمال بأجرة كل مرحلة ) لما بينا . وعن أبي يوسف إذا سار ثلث الطريق أو نصفه لزمه التسليم . وعن أبي حنيفة إذا انقضت المدة وانتهى السفر وهو قول زفر ، لأن المعقود عليه [ ص: 310 ] شيء واحد وهو قطع هذه المسافة أو سكنى هذه المدة فلا ينقسم الأجر على أجزائها كالعمل ، وكأن أبا يوسف أقام الثلث أو النصف مقام الكل على أصله ، وجوابه ما بينا ، ثم رجع أبو حنيفة إلى ما ذكرنا أولا .

قال : ( وتمام الخبز إخراجه من التنور ) وكذلك الآجر لأنه لا ينتفع به قبل ذلك ، فلو احترق أو سقط من يده قبل ذلك فلا أجر له بهلاكه قبل التسليم ، وإن هلك بعد الإخراج بغير فعله فلا ضمان عليه وله الأجر ؛ لأنه سلمه إليه حيث وضعه في بيته ولم يهلك بفعله .

قال : ( وتمام الطبخ غرفه ) إن كان في وليمة ، وإن طبخ قدر طعام لصاحبه فليس عليه الغرف للعرف .

قال : ( وتمام ضرب اللبن إقامته ) وقالا : تشريجه لأن بالتشريج يؤمن عليه الفساد ، وهو من عمله عرفا فيلزمه . ولأبي حنيفة أن العمل تم بالإقامة لأنه يمكنه الانتفاع به من غير خلل فلا يلزمه شيء آخر ، والتشريج فعل آخر فلا يلزمه إلا بالشرط ، ولو كان في غير ملكه . فما لم يشرجه ويسلمه إلى المستأجر فلا أجر له وهو في ضمانه .

قال : ( ومن لعمله أثر في العين كالصباغ والخياط والقصار يحبسها حتى يستوفي الأجر ) لأن له حبس صبغه وغيره بحبس المحل حتى يستوفي الثمن كالمبيع .

( فإن حبسها فضاعت لا شيء عليه ) لأنه أمانة في يده .

( ولا أجر له ) وعندهما هو مضمون بعد الحبس كقبله ، فإن ضمنه معمولا فله الأجر وغير معمول لا أجر له .

قال : ( ومن لا أثر لعمله كالحمال والغسال ليس له ذلك ) لأنه ليس له عين يحبسها والمعقود [ ص: 311 ] عليه نفس العمل فلا يتصور حبسه ، فإن حبسه فهو غاصب ، بخلاف رد الآبق حيث له حبسه على الجعل ، وإن لم يكن لعمله أثر لأنه عرف نصا ، ولأنه كان على شرف الهلاك وقد أحياه بالرد فكأنه باعه .

قال : ( وإذا شرط على الصانع العمل بنفسه ليس له أن يستعمل غيره ) لأن العمل يختلف باختلاف الصناع جودة ورداءة ، فكان الشرط مقيدا ، فيتعين كما تتعين المنفعة في محل بعينه ، وإن أطلق له العمل فله أن يعمل بنفسه وبغيره ، لأن المستحق مطلق العمل ، ويمكنه إيفاؤه بنفسه وبغيره فافترقا .

قال : ( وإن قال : إن سكنت هذا الحانوت عطارا فبدرهم ، وحدادا بدرهمين جاز ، وأي العملين عمل استحق المسمى له ) وقالا : الإجارة فاسدة ، وعلى هذا الخلاف إن استأجر دابة إلى الحيرة بدرهم وإلى القادسية بدرهمين ، أو إن حمل عليها كر شعير فبدرهم ، وكر حنطة بدرهمين . لهما أن المعقود عليه أحد الشيئين ، والأجر أحد الأجرين ، وتجب بالتخلية والتسليم وأنه مجهول ، بخلاف الخياطة الرومية والفارسية ، لأن الأجرة تجب بالعمل ، وبه ترتفع الجهالة فافترقا .

ولأبي حنيفة أنه خيره بين عقدين مختلفين صحيحين ، لأن سكنى العطار تخالف سكنى الحداد حتى لا تدخل في مطلق العقد ، وكذا بقية المسائل والإجارة تعقد للمنفعة ، وعندهما ترتفع الجهالة فيصح كالفارسية والرومية ، وإن وجب الأجر بالتسليم يجب أقلهما للتيقن به .

ولو قال : إن خطت هذا الثوب فارسيا فبدرهم وروميا فبدرهمين جاز ، وأي العملين عمل استحق أجرته ، وقد مر وجهه . وقال زفر : الإجارة فاسدة لجهالة البدل في الحال ، وجوابه ما مر .




الخدمات العلمية