الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 566 ] القول في تأويل قوله ( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ( 91 ) )

قال أبو جعفر : يقول : فأخذت الذين كفروا من قوم شعيب ، الرجفة . وقد بينت معنى " الرجفة " قبل ، وأنها الزلزلة المحركة لعذاب الله .

( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) ، على ركبهم ، موتى هلكى .

وكانت صفة العذاب الذي أهلكهم الله به ، كما : -

14863 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإلى مدين أخاهم شعيبا ) ، قال : إن الله بعث شعيبا إلى مدين ، وإلى أصحاب الأيكة و " الأيكة " ، هي الغيضة من الشجر وكانوا مع كفرهم يبخسون الكيل والميزان ، فدعاهم فكذبوه ، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن ، وما ردوا عليه . فلما عتوا وكذبوه ، سألوه العذاب ، ففتح الله عليهم بابا من أبواب جهنم ، فأهلكهم الحر منه ، فلم ينفعهم ظل ولا ماء . ثم إنه بعث سحابة فيها ريح طيبة ، فوجدوا برد الريح وطيبها ، فتنادوا : الظلة ، عليكم بها " ! فلما اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ، انطبقت عليهم فأهلكتهم ، فهو قوله : ( فأخذهم عذاب يوم الظلة ) ، [ سورة الشعراء : 189 ] .

14864 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، كان من خبر قصة شعيب وخبر قومه ما ذكر الله في القرآن . كانوا أهل بخس للناس في مكاييلهم وموازينهم ، مع كفرهم بالله ، وتكذيبهم نبيهم . وكان يدعوهم [ ص: 567 ] إلى الله وعبادته ، وترك ظلم الناس وبخسهم في مكاييلهم وموازينهم ، فقال نصحا لهم ، وكان صادقا : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) ، [ هود : 88 ] . قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة إذا ذكر شعيبا قال : " ذاك خطيب الأنبياء " ! لحسن مراجعته قومه فيما يراد بهم . فلما كذبوه وتوعدوه بالرجم والنفي من بلادهم ، وعتوا على الله ، أخذهم عذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم . فبلغني أن رجلا من أهل مدين يقال له : " عمرو بن جلهاء ، لما رآها قال :


يا قوم إن شعيبا مرسل فذروا عنكم سميرا وعمران بن شداد     إني أرى غبية يا قوم قد طلعت
تدعو بصوت على صمانة الوادي     وإنكم لن تروا فيها ضحاء غد
إلا الرقيم يمشي بين أنجاد



و " سمير " و " عمران " ، كاهناهم ، و " الرقيم " ، كلبهم .

حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني ابن إسحاق قال : فبلغني ، والله أعلم ، أن الله سلط عليهم الحر حتى أنضجهم ، ثم أنشأ لهم [ ص: 568 ] الظلة كالسحابة السوداء ، فلما رأوها ابتدروها يستغيثون ببردها مما هم فيه من الحر ، حتى إذا دخلوا تحتها ، أطبقت عليهم ، فهلكوا جميعا ، ونجا الله شعيبا والذين آمنوا معه برحمته .

14865 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني أبو عبد الله البجلي قال : " أبو جاد " و " هوز " و " حطي " و " كلمون " و " سعفص " و " قرشت " ، أسماء ملوك مدين ، وكان ملكهم يوم الظلة في زمان شعيب " كلمون " ، فقالت أخت كلمون تبكيه :


كلمون هد ركني     هلكه وسط المحله
سيد القوم أتاه ال     حتف نارا وسط ظله
جعلت نارا عليهم ،     دارهم كالمضمحله

[ ص: 569 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية