الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 71 ] مسألة : وليس على المطلقة ثلاثا إحداد أصلا ، وهو قول عطاء ، ومالك وأبي سليمان - وقال غيرهم خلاف ذلك - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : تحد المبتوتة كما تحد المتوفى عنها ، فلا تمس طيبا ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا تكتحل لا تختضب ولا تلبس الحلي .

                                                                                                                                                                                          وقال الزهري : المبتوتة لا تحدث حليا فإن كان عليها حلي لم تنزعه ، ولا تمس طيبا ، وتمتشط بالحناء والكتم ، وتدهن بالدهن الذي ينش بالريحان - وكره الزهري الذي فيه الأفاويه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن بن أبي شيبة أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني قال : كتب إلي عطاء الخراساني قال : سألت سعيد بن المسيب ، وفقهاء المدينة عن المطلقة ، والمتوفى عنها زوجها ؟ فقالوا : تحدان وتتركان التكحيل ، والتخضيب والتطييب ، والزينة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا جرير عن المغيرة عن إبراهيم قال : المطلقة لا تكتحل بكحل زينة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا أبو داود - هو الطيالسي - عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال : المطلقة ثلاثا لا تكتحل ، ولا تختضب .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا غندر عن شعبة عن الحكم في المطلقة ثلاثا لا تكتحل ولا تزين - وهي عنده أشد من المتوفى عنها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره الزينة للتي لا رجعة له عليها من المطلقات - وبقول إبراهيم النخعي يقول الشافعي ، ولم يوجبه ، وأوجبه سفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، وأبو عبيد ، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 72 ] قال أبو محمد : حجة من أوجب الإحداد على المطلقة ثلاثا أن قالوا : هي مفارقة لزوجها كالمتوفى عنها فيجب أن يكون حكمهما واحدا .

                                                                                                                                                                                          قال علي : ما نعلم لهم شغبا غير هذا ، وهو شغب فاسد ; لأن القياس كله باطل .

                                                                                                                                                                                          ثم يقال لهم : هلا أوجبتم الإحداد على الملاعنة ، والمختلعة ، والمطلقة - عندكم - طلاقا بائنا ، فكل هؤلاء عندكم مفارقات لأزواجهن .

                                                                                                                                                                                          وأيضا فقد سمى الله - عز وجل - المطلقة طلاقا رجعيا " مفارقة لزوجها " بتمام عدتها ، إذ يقول تعالى : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } ولا خلاف في أنه لا إحداد عليها لا في العدة ولا بعد العدة .

                                                                                                                                                                                          وقد فرق الله تعالى بين ما جمعوا بينه فجعل عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا ، وعدة المبتوتة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر - : فلاح فساد من قاس إحداهما على الأخرى - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وهذا مما نقض فيه مالك تعظيمه مخالفة فقهاء المدينة ، وجمهور المتقدمين .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية