الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما يكره من تزين النساء به وما لا يكره 2774 - ( عن أسماء بنت أبي بكر قالت : { أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت : يا رسول الله إن لي ابنة عريسا ، وإنه أصابها حصبة فتمرق شعرها أفأصله ؟ فقال رسول الله [ ص: 226 ] صلى الله عليه وسلم : لعن الله الواصلة والمستوصلة } متفق عليه . ومتفق على مثله من حديث عائشة ) .

                                                                                                                                            2775 - ( وعن ابن عمر : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة } ) .

                                                                                                                                            2776 - ( وعن ابن مسعود أنه قال : { لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى ، وقال : ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم } ) . 2777 -

                                                                                                                                            ( وعن معاوية { أنه قال ، وتناول قصة من شعر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول : إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم } . متفق عليهن ) .

                                                                                                                                            2778 - ( وعن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زورا } رواه أحمد .

                                                                                                                                            وفي لفظ { أيما امرأة زادت في شعرها شعرا ليس منه ، فإنه زور تزيد فيه } رواه النسائي ومعناه متفق عليه ) .

                                                                                                                                            2779 - ( وعن ابن مسعود قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلا من داء } ) .

                                                                                                                                            2780 - ( وعن عائشة قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يلعن القاشرة والمقشورة ، والواشمة والموشومة ، والواصلة والموصولة } . رواهما أحمد . والنامصة : ناتفة الشعر من الوجه . والواشرة : التي تشر الأسنان حتى تكون لها أشر : أي تحدد ورقة تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالحديثة السن . والواشمة : التي تغرز من اليد بإبرة ظهر الكف والمعصم ، ثم تحشي بالكحل أو بالنؤور : وهو دخان الشحم حتى يخضر . والمتنمصة والمؤتشرة [ ص: 227 ] والمستوشمة : اللاتي يفعل بهن ذلك بإذنهن . وأما القاشرة والمقشورة ، فقال أبو عبيد : نراه أراد هذه الغمرة التي يعالج بها النساء وجوههن حتى ينسحق أعلى الجلد ويبدو ما تحته من البشرة وهو شبيه بما جاء في النامصة ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عائشة الثاني قال في مجمع الزوائد : وفيه من لم أعرفه من النساء .

                                                                                                                                            وفي الباب عن ابن عباس قال : { لعنت الواصلة والمستوصلة ، والنامصة والمتنمصة ، والواشمة والمستوشمة من غير داء } أخرجه أبو داود .

                                                                                                                                            وعن جابر عند مسلم : { زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيء } وعن معقل بن يسار عند أحمد والطبراني . وعن أبي أمامة عند الطبراني بإسناد صحيح . وعن ابن عباس أيضا حديث آخر عند الطبراني . قوله : ( عريسا ) بضم العين وفتح الراء وتشديد الياء المكسورة تصغير عروس ، والعروس يقع على المرأة والرجل في وقت الدخول . قوله : ( حصبة ) بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين ، ويقال أيضا بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات حكاهن جماعة ، والإسكان أشهر : وهي بثر تخرج في الجلد تقول منه : حصب جلده ، بكسر الصاد يحصب .

                                                                                                                                            قوله : ( فتمرق ) بالراء المهملة بمعنى تساقط ، هكذا حكى القاضي عياض في المشارق عن جمهور الرواة ، وحكي عن جماعة من رواة صحيح مسلم أنه بالزاي . قال : وهذا وإن كان قريبا من معنى الأول ولكنه لا يستعمل في الشعر في حال المرض . قوله : ( الواصلة ) هي التي تصل شعر امرأة بشعر امرأة أخرى لتكثر به شعر المرأة . والمستوصلة : هي التي تستدعي أن يفعل بها ذلك ، ويقال لها : موصولة ، كما في الرواية الأخرى . والواشمة : فاعلة الوشم : وهو أن يغرز في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل أو النؤور فيخضر ذلك الموضع وهو مما تستحسنه الفساق ، والنؤور الذي ذكره المصنف قال المصنف : قال في القاموس كصبور : وهو دخان الشحم كما ذكر ، وقد يطلق على أشياء أخر كما في القاموس ، وقد يكون الوشم بدارات ونقوش ، وقد يكثر وقد يقل ، والوصل حرام لأن اللعن لا يكون على أمر غير محرم . قال النووي : وهذا هو الظاهر المختار قال : وقد فصله أصحابنا فقالوا : إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف ، وسواء كان شعر رجل أو امرأة ، وسواء ، شعر المحرم والزوج وغيرهما بلا خلاف لعموم الأدلة ; ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته ، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه ، وإن وصلته بشعر آدمي فإن كان شعرا نجسا وهو شعر الميتة وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضا للحديث ; ولأنها حمل نجاسة في صلاتها وغيرها عمدا ، وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء [ ص: 228 ] والرجال . وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضا ، وإن كان فثلاثة أوجه : أحدها : لا يجوز لظاهر الأحاديث والثاني : يجوز ، وأصحها عندهم : إن فعلته بإذن الزوج أو السيد جاز وإلا فهو حرام انتهى . وقال القاضي عياض : اختلف العلماء في المسألة ، فقال مالك والطبري وكثيرون أو الأكثرون : الوصل ممنوع بكل شيء ، سواء وصلته بشعر أو صوف أو خرق . واحتجوا بحديث جابر : { أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن تصل المرأة برأسها شيئا } . وقال الليث بن سعد : النهي مختص بالوصل بالشعر ، ولا بأس بوصله بصوف وخرق وغيرهما .

                                                                                                                                            وقال الإمام المهدي : إن وصل شعر النساء . بشعر الغنم لا وجه لتحريمه . ويرده عموم حديث جابر المذكور فإنه شامل للشعر والصوف والوبر وغيرها . وحكى النووي عن عائشة أنه يجوز الوصل مطلقا ، قال : ولا يصح عنها بل الصحيح عنها كقول الجمهور . قال القاضي عياض : فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه لأنه ليس بوصل ولا هو في معنى مقصود الوصل ، وإنما هو للتجمل والتحسين . ويجاب بأن تخصيص عموم حديث جابر لا يكون إلا بدليل ، فما هو ؟ وذهبت الهادوية إلى جواز الوصل بشعر المحرم . ويجاب بأن تحريم مطلق الوصل يستلزم تحريم الوصل بشعر المحرم .

                                                                                                                                            وكذلك عموم حديث جابر وحديث معاوية . وقال الإمام يحيى : إنما يحرم غير ذوات الأزواج . ويجاب عنه بحديث أسماء المذكور فإنه مصرح بأن الوصل فيه للعروس ولم يجزه صلى الله عليه وسلم . وأما الوشم فهو حرام أيضا لما تقدم . قال أصحاب الشافعي : هذا الموضع الذي وشم يصير نجسا ، فإن أمكن إزالته بالعلاج وجب إزالته ، وإن لم يمكن إلا بالجرح ، فإن خافت منه التلف أو فوات عضو أو منفعته أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته ، وإذا تابت لم يبق عليها إثم ، وإن لم تخف شيئا من ذلك ونحوه لزمها إزالته ، وتعصي بتأخيره وسواء في هذا كله الرجل والمرأة . قوله : ( " والمتنمصات " ) بالتاء الفوقية ثم النون ثم الصاد المهملة جمع متنمصة ، وهذه التي تستدعي نتف الشعر من وجهها ، ويروى بتقديم النون على التاء . قال النووي : والمشهور تأخيرها ، والنامصة : المزيلة له من نفسها أو من غيرها وهو حرام .

                                                                                                                                            قال النووي وغيره : إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل تستحب . وقال ابن جرير . لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها . قوله : ( والمتفلجات " ) بالفاء والجيم جمع متفلجة ، وهي التي تبرد ما بين أسنان الثنايا والرباعيات وهو من الفلج بفتح الفاء واللام : وهو الفرجة بين الثنايا والرباعيات ، تفعل ذلك العجوز ومن قاربها في السن إظهارا للصغر وحسن الأسنان ; لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغيرات ، فإذا عجزت المرأة كبرت سنها فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهم كونها صغيرة . [ ص: 229 ] قال النووي : ويقال له : الوشر ، وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها . قوله : ( " قصة " ) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة وهو القطعة من الشعر من قصصت الشعر : أي قطعته . قال الأصمعي وغيره : هو شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة . وقيل : شعر الناصية

                                                                                                                                            قوله : ( " عن مثل هذه " ) أي عن التزين بمثل هذه القصة من الشعر . قوله : ( إنما هلكت بنو إسرائيل . . . إلخ ) هذا تهديد شديد لأن كون مثل هذا الذنب كان سببا لهلاك مثل تلك الأمة يدل على أنه من أشد الذنوب . قال القاضي عياض : قيل : يحتمل أنه كان محرما عليهم فعوقبوا لاستعماله وهلكوا بسببه . وقيل : يحتمل أن ذلك الهلاك كان به وبغيره مما ارتكبوه من المعاصي ، فعند ظهور ذلك فيهم هلكوا ، وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر ، انتهى .

                                                                                                                                            قوله : ( إلا من داء ) ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو فيما إذا كان لقصد التحسين لا لداء وعلة فإنه ليس بمحرم ، وظاهر قوله : { المغيرات خلق الله } أنه لا يجوز تغيير شيء من الخلقة عن الصفة التي عليها . قال أبو جعفر الطبري : في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز تغيير شيء مما خلق الله المرأة عليه بزيادة أو نقص ، التماسا للتحسين لزوج أو غيره ، كما لو كان لها سن زائدة أو عضو زائد فلا يجوز لها قطعه ولا نزعه لأنه من تغيير خلق الله ، وهكذا لو كان لها أسنان طوال فأرادت تقطيع أطرافها ، وهكذا قال القاضي عياض وزاد : إلا أن تكون هذه الزوائد مؤلمة وتتضرر بها فلا بأس بنزعها ، قيل : وهذا إنما هو التغيير الذي يكون باقيا ، فأما ما لا يكون باقيا كالكحل ونحوه من الخضابات فقد أجازه مالك وغيره من العلماء .

                                                                                                                                            قوله : ( هذه الغمرة ) بفتح الغين المعجمة وسكون الميم بعدها راء : طلاء من الورس .

                                                                                                                                            وفي القاموس : في مادة الغمر ، وبالضم : الزعفران كالغمرة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية