الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن ورد على ماء فأخبره رجل بنجاسته لم يقبل حتى يبين بأي شيء نجس لجواز أن يكون رأى سبعا ولغ فيه فاعتقد أنه نجس بذلك . فإن بين النجاسة قبل منه كما يقبل ممن يخبره بالقبلة ، ويقبل في ذلك قول الرجل والمرأة والحر والعبد ، لأن أخبارهم مقبولة ويقبل قول الأعمى لأن له طريقا إلى العلم بالحس والخبر ، ولا يقبل فيه قول صبي ولا فاسق ولا كافر ، لأن أخبارهم لا تقبل ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) إذا أخبره ثقة بنجاسة ماء أو ثوب أو طعام وغيره فإن بين سبب النجاسة وكان ذلك السبب يقتضي النجاسة حكم بنجاسته بلا خلاف لأن خبره مقبول ، وهذا من باب الخبر لا من باب الشهادة ، ويقبل في هذا المرأة والعبد والأعمى بلا خلاف لأن خبرهم مقبول ولا يقبل فاسق وكافر بلا خلاف ، ولا مجنون وصبي لا يميز ، وفي الصبي المميز وجهان الصحيح لا يقبل وبه قطع الجمهور كما قطع به المصنف ، ونقله البندنيجي والروياني عن نص الشافعي لأنه لا يوثق بقوله ( والثاني ) يقبل لأنه غير متهم ، حكاه جماعات من الخراسانيين وصاحب البيان وقطع به المحاملي في المجموع والقاضي أبو الطيب ، وقال البغوي : هو الأصح ، وطردوا الوجهين في روايته حديث النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ، والصحيح المنع مطلقا ، أما ما تحمله في الصبا وهو مميز ثم بلغ ورواه وأخبر به فيقبل على المشهور الذي قطع به [ ص: 229 ] الجمهور ، وفيه خلاف ضعيف سنوضحه في موضعه حيث ذكره المصنف من كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى . هذا إذا بين سبب النجاسة ، فإن لم يبين لم يقبل ، هكذا نص عليه الشافعي والأصحاب ، قال الشيخ أبو حامد : نص عليه الشافعي رواه عنه المزني في الجامع الكبير . ثم إن الجمهور أطلقوا المسألة كما أطلقها المصنف ممن أطلقها الشيخ أبو حامد والماوردي وابن الصباغ والمتولي وغيرهم ، وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي وغيرهما : قال الشافعي : فإن كان يعلم من حال المخبر أنه يعلم أن سؤر السباع طاهر وأن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس قبل قوله عند الإطلاق ، هكذا نقل هؤلاء نص الشافعي ، وكذا قطع بهذا التفصيل الذي نص عليه جماعات من أصحابنا المصنفين منهم الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق والبغوي والروياني وغيرهم ، ونقله صاحب العدة عن أصحابنا العراقيين ، ونقل صاحب البيان عن الشيخ أبي حامد أنه نقله عن نص الشافعي ولم أر لأحد من أصحابنا تصريحا بمخالفته فهو إذن متفق عليه ، ومن أطلق المسألة فكلامه محمول على ما ذكره الإمام الشافعي صاحب المذهب ثم كبار أصحابنا .

                                      ( فرع ) لو أخبره بنجاسته عدلان فهما كالعدل على التفصيل المتقدم ذكره الماوردي وهو ظاهر .

                                      ( فرع ) قال أصحابنا : إذا أخبره مقبول الخبر بالنجاسة وجب قبوله ولا يجوز الاجتهاد بلا خلاف كما لا يجتهد المفتي إذا وجد النص ، وكما لا يجتهد إذا أخبره ثقة عن علم بالقبلة ووقت الصلاة ، وغير ذلك ، وقول المصنف : " فإن بين النجاسة قبل منه " أي : لزمه قبوله .

                                      ( فرع ) قال أصحابنا يقبل قول الكافر والفاسق في الإذن في دخول الدار وحمل الهدية كما يقبل قول الصبي فيهما ولا أعلم في هذا خلافا ، ذكر أكثر أصحابنا هذه المسألة في باب استقبال القبلة ، وممن ذكرها هناك صاحب [ ص: 230 ] الحاوي والقاضي أبو الطيب في تعليقه وقال : سمعت أبا الحسن الماسرجسي يقول : يقبل قول الكافر في ذلك قلت : ودليل هذه الأحاديث الصحيحة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدايا الكفار . }

                                      ( فرع ) قول المصنف : يقبل في ذلك قول الأعمى لأن له طريقا إلى العلم بالحس والخبر ( الحس بالحاء ) يعني يدركه بإحدى الحواس الخمس ، وأما الخبر فهو السماع من ثقة واحد أو جماعة ، واعلم أن أصحابنا وغيرهم من الفقهاء يطلقون لفظ العلم واليقين والمعرفة ويريدون به الاعتقاد القوي ، سواء كان علما حقيقيا أو ظنا ، وهذا نحو ما قدمناه في استعمالهم لفظ الشك والله أعلم




                                      الخدمات العلمية