الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1121 [ ص: 125 ] ( 4 ) باب إرخاء الستور

                                                                                                                        1073 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل ، أنه إذا أرخيت الستور ، فقد وجب الصداق .

                                                                                                                        1074 - مالك ، عن ابن شهاب ; أن زيد بن ثابت كان يقول : إذا دخل الرجل بامرأته ، فأرخيت عليهما الستور ، فقد وجب الصداق .

                                                                                                                        [ ص: 126 ] 23676 - مالك ; أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول : إذا دخل الرجل بالمرأة في بيتها ، صدق الرجل عليها . وإذا دخلت عليه في بيته ، صدقت عليه .

                                                                                                                        23677 - قال مالك : أرى ذلك في المسيس . إذا دخل عليها في بيتها فقالت قد مسني ، وقال لم أمسها ، صدق عليها . فإن دخلت عليه في بيته . فقال لم أمسها ، وقالت قد مسني ، صدقت عليه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        23678 - وروى يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب ، عن مالك أنه رجع عن هذا القول ، وقال : إذا خلا بها حيث كان ، فالقول قول المرأة .

                                                                                                                        23679 - قال أبو عمر : روي عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عمر ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت أنهم قالوا : إذا أغلق بابا وأرخى سترا ، وخلا بها ، فقد وجب الصداق .

                                                                                                                        23680 - رواه عن عمر المدنيون ، والكوفيون .

                                                                                                                        23681 - ورواه منصور ، وحماد ، وإبراهيم ، عن عمر .

                                                                                                                        23682 - وأما المدنيون ، فحدث سعيد ، عن عمر من رواية مالك ، وغيره [ ص: 127 ] عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد ، عن عمر .

                                                                                                                        23683 - ورواه وكيع ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن رجلا اختلى امرأة في طريق ، فجعل لها عمر الصداق كاملا .

                                                                                                                        23684 - وأما حديث علي ، فروي من وجوه ، أحسنها ما رواه قتادة ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس أن عمر وعليا ، قالا : إذا أغلق بابا وأرخى سترا ، فلها الصداق وعليها العدة .

                                                                                                                        23685 - رواه سعيد ، ومعمر ، وشعبة وهشام ، عن قتادة .

                                                                                                                        23686 - وحديث زيد بن ثابت رواه وكيع ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن سليمان بن يسار أن رجلا تزوج امرأة ، فقال عندها ، فأرسل لها مروان إلى زيد ، فقال : لها الصداق كاملا ، فقال مروان : إنه ممن لا يتهم ، فقال له زيد : لو جاءت بولد ، أو ظهر بها حمل أكنت تقيم عليها الحد ؟

                                                                                                                        23687 - وأما ابن عمر ، فذكر أبو بكر ، قال حدثني أبو خالد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : إذا أجيفت الأبواب ، وأرخيت [ ص: 128 ] الستور وجب الصداق .

                                                                                                                        23688 - وقال مكحول : اتفق عمر ، ومعاذ في نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا أغلق الباب وأرخي الستر ، وجب الصداق .

                                                                                                                        23689 - وعن ابن علية ، عن عوف ، عن زرارة بن أوفى ، قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا ، وأرخى سترا ، فقد وجب المهر ، ووجبت العدة .

                                                                                                                        23690 - وروى ابن عيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : دخلت مع أبي مكة ، فخطبت امرأة ، فأتيت أبي ، وهو مع سعيد بن جبير ، فقال : لا تذهب هذه الساعة ، فإنها ساعة حارة نصف النهار ، قال : فذهبت ، وخالفته ، وتزوجتها ، فقالوا : لو دخلت على أهلك ، فدخلت ، فأرخيت الستور ، وأغلقت الباب ، فنظرت إليها ، فإذا امرأة قد علتها كبرة ، فندمت ، فأتيت أبي ، فأخبرته ، فقال : لقد خدعك القوم ، لزمك الصداق .

                                                                                                                        23691 - قال سفيان : وهي من آل الأخنس بن شريق .

                                                                                                                        [ ص: 129 ] 23692 - واختلف الفقهاء في الخلوة المذكورة ، هل توجب المهر أم لا ؟

                                                                                                                        23693 - فالذي ذهب إليه مالك ، وأصحابه أنها توجب المهر إن ادعته المرأة وقالت : إنه قد مسني . إذا كانت الخلوة خلوة بناء .

                                                                                                                        23694 - وهو عندهم معنى قول سعيد بن المسيب إذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه ، وكان القول قولها فيما ادعت من مسيسها ; لأن البيت في البناء بيت الرجل ، وعليه الإسكان ، فمعنى قول سعيد : في بيته ، أي دخول ابتنى في بيت مقامها ، وسكناها .

                                                                                                                        23695 - ومعنى قوله : في بيتها ، يقول : إذا زارها في بيتها عند أهلها ، أو وجدها ، ولم يدخل بها دخول بناء ، ولا اهتداء ، فادعت أنه مسها ، وأنكر ، فالقول قوله ; لأنه مدعى عليه .

                                                                                                                        23696 - ومثل هذا من مذهب مالك في الرهن يختلف الراهن والمرتهن فيما عليه من الدين ، فالقول عنده قول المرتهن ; لأن الرهن بيده ، فيصدق فيما بينه وبين قيمته ، وهو فيما زاد مدع .

                                                                                                                        23697 - وهذا أصله في المتداعيين أن القول قول من له شبهة قوية ، كاليد ، وشبهها .

                                                                                                                        [ ص: 130 ] 23698 - وقد روى ابن وهب ، عن مالك على ما تقدم أن القول قولها فيما ادعته من المسيس إذا خلا بها في بيته ، أو بيتها ، أو غير ذلك من المواضع ، وأقر بذلك ، وجحد المسيس .

                                                                                                                        23699 - قال مالك : فإن اتفق على أن لا مسيس لم توجب الخلوة مع إغلاق الباب وإرخاء الستر شيئا من المهر .

                                                                                                                        23700 - قال مالك : إذا خلا بها فقبلها ، أو كشفها ، أو اجتمعا على أنه لم يمسها ، فلا أرى لها نصف المهر إن كان قريبا ، وإن تطاول ، ثم طلقها ، فلها المهر كاملا ، إلا أن تحب أن تضع له ما شاءت .

                                                                                                                        23701 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه سئل عن الرجل ينكح المرأة ، فتمكث عنده الأشهر ، والسنة يصيب منها ما دون الجماع ، ثم يطلقها قبل أن يمسها ، قال : لها الصداق كاملا ، وعليها العدة كاملة .

                                                                                                                        23702 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : الخلوة الصحيحة تمنع سقوط شيء [ ص: 131 ] من المهر ، وتوجب المهر كله بعد الطلاق ، وطئ أو لم يطأ ، ادعته أو لم تدعه ، إلا أن يكون أحدهما محرما ، أو مريضا ، أو صائما في رمضان ، أو كانت المرأة حائضا ، فإن كانت الخلوة في هذه الحال ثم طلق ، لم يجب لها إلا نصف المهر .

                                                                                                                        23703 - ولم يفرقوا بين بيته ، وبيتها ، ولا دخول بناء ولا غيره ، إذا صحت الخلوة بإقرارهما ، أو ببينة ، وعليها العدة عندهم في جميع هذه الوجوه .

                                                                                                                        23704 - وقال ابن أبي ليلى : يجب بالخلوة كمال المهر والعدة ، حائضا كانت ، أو صائمة ، أو محرمة على ظاهر الأحاديث عن الصحابة في إغلاق الباب وإرخاء الستور .

                                                                                                                        23705 - وهو قول عطاء .

                                                                                                                        23706 - قال ابن جريج ، عن عطاء : إذا أغلق عليها ، فقد وجب الصداق ، وإن أصبحت عوراء ، أو كانت حائضا ، كذلك بالسنة .

                                                                                                                        23707 - وقد قال ابن شبرمة : إن اجتمع على أنه لم يمسها ، فنصف المهر .

                                                                                                                        23708 - وقال الثوري : لها المهر كاملا إذا خلا بها ، فإن لم يدخل بها إذا [ ص: 132 ] جاء العجز من قبله ، أو كانت رتقاء ، فلها نصف الصداق .

                                                                                                                        23709 - قال سفيان : أخبرنا حماد ، عن إبراهيم ، قال : قال عمر : ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلك ؟ لها الصداق كاملا ، وعليها العدة .

                                                                                                                        23710 - قال أبو عمر : هذا عندهم قياس على تسليم السلعة المبيعة إلى المشتري أنه يلزمه ثمنها ، قبضها أو لم يقبضها .

                                                                                                                        23711 - وقال الأوزاعي : إذا تزوج فدخل عليها عند أهلها ، فقبلها ، أو لمسها ، ثم طلقها قبل أن يجامعها أنه إن أرخى عليها سترا ، أو أغلق بابا ، فقد وجب الصداق .

                                                                                                                        23712 - وقال إبراهيم : إذا اطلع على ما لا يحل لغيره ، وجب لها الصداق .

                                                                                                                        23713 - وقال الحسن بن حي : إذا دخل بها ، ولم يجامعها ، ثم طلقها ، فلها نصف المهر إذا لم يدخل بها ، وإن ادعت مع ذلك الدخول ، فالقول قولها بعد الخلوة .

                                                                                                                        [ ص: 133 ] 23714 - وقال الليث ، إذا أرخى عليها ستارة ، فقد وجب الصداق .

                                                                                                                        23715 - وقال النخعي : إذا اطلع منها على ما لا يحل لغيره وجب لها الصداق ، وعليها العدة .

                                                                                                                        23716 - قال أبو عمر : حجة هؤلاء كلهم الآثار عن الصحابة فيمن أغلق بابا ، أو أرخى سترا أنه قد وجب عليه الصداق .

                                                                                                                        23717 - وقال الشافعي : إذا خلا بها ولم يجامعها ، ثم طلق ، فليس لها إلا نصف الصداق ، ولا عدة عليها .

                                                                                                                        23718 - وهو قول أبي ثور ، وداود .

                                                                                                                        23719 - وروي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عباس .

                                                                                                                        23720 - ذكر أبو بكر ، عن ابن أبي شيبة ، قال : حدثني وكيع ، عن حسن بن صالح ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود ، قال : لها نصف الصداق ، وإن جلس بين رجليها .

                                                                                                                        23721 - قال : وحدثني فضيل ، عن ليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس مثله .

                                                                                                                        23722 - وهو قول شريح ، والشعبي ، وطاوس .

                                                                                                                        [ ص: 134 ] 23723 - رواه ابن جريج ، ومعمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : إذا لم يجامعها ، فليس لها إلا نصف الصداق ، وإن خلا بها .

                                                                                                                        23724 - وعن جعفر بن سليمان الضبعي ، عن عطاء بن السائب أنه شهد شريحا قضى في رجل دخل بامرأته ، فقال : لم أصب منها وصدقته - بنصف الصداق ، فعاب الناس ذلك عليه ، فقال : قضيت بكتاب الله عز وجل .

                                                                                                                        23725 - قال أبو عمر : قال الله عز وجل : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم [ البقرة : 237 ] .

                                                                                                                        23726 - وقال تعالى : فما لكم عليهن من عدة تعتدونها [ الأحزاب : 49 ] فأين المذهب عن كتاب الله تعالى ؟ .

                                                                                                                        23727 - ولم يجتمعوا على أن مراد الله - عز وجل - من خطابه هذا غير ظاهر ، ولا تعرف العرب الخلوة دون وطء مسببا ، والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية