الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      باب سجود التلاوة قال المصنف رحمه الله تعالى ( سجود التلاوة مشروع للقارئ والمستمع لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بسجدة كبر وسجد وسجدنا معه } فإن ترك القارئ سجد المستمع لأنه توجه عليهما فلا يتركه أحدهما بترك الآخر وأما من سمع القارئ وهو غير مستمع إليه فقال الشافعي لا أؤكد على المستمع ، لما روي عن عثمان وعمران بن الحصين رضي الله عنهم : " السجدة على من استمع " وعن ابن عباس رضي الله عنهما : " السجدة لمن جلس لها " وهو سنة غير واجب . لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه قال { عرضت النجم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسجد منا أحد . } )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه البخاري ومسلم بلفظه إلا قوله : ( كبر ) فليس في روايتهما ، وهذا اللفظ في رواية أبي داود وإسنادها ضعيف وأما حديث زيد بن ثابت فرواه البخاري ومسلم بمعناه ولفظ رواية البخاري عن زيد قال { قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم : والنجم فلم يسجد فيها } ورواية مسلم { أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم : والنجم إذا هوى فلم يسجد فيها } وأما الأثر عن ابن عباس فصحيح ذكره البيهقي وكذا الأثران عن عثمان وعمران ذكرهما البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم .

                                      ( أما حكم المسألة ) فسجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع بلا خلاف ، وسواء كان القارئ في صلاة أم لا ، وفي وجه شاذ ضعيف ، لا يسجد [ ص: 552 ] المستمع لقراءة مصل ، غير إمامه حكاه الرافعي وسواء سجد القارئ أم لم يسجد يسن للمستمع أن يسجد . هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور وقال الصيدلاني لا يسن له السجود إذا لم يسجد القارئ ، واختاره إمام الحرمين ولو استمع إلى قراءة محدث أو كافر أو صبي فوجهان الصحيح استحباب السجود ; لأنه استمع سجدة .

                                      ( والثاني ) لا لأنه كالتابع للقارئ وأما الذي لا يستمع لكن يسمع بلا إصغاء ولا قصد ففيه ثلاثة أوجه ( الصحيح ) المنصوص في البويطي وغيره أنه يستحب له ولا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع ( والثاني ) أنه كالمستمع ( والثالث ) لا يسن له السجود ، وبه قطع الشيخ أبو حامد في تعليقه والبندنيجي .



                                      ( فرع ) المصلي إن كان منفردا سجد لقراءة نفسه ، فلو قرأ السجدة فلم يسجد ثم بدا له أن يسجد لم يجز ; لأنه تلبس بالفرض فلا يتركه للعود إلى سنة ، ولأنه يصير زائدا ركوعا ، فلو بدا له قبل بلوغ حد الركعتين جاز ، ولو هوى لسجود التلاوة ثم بدا له فرجع جاز ، كما لو قرأ بعض التشهد الأول ولم يتمه جاز بلا شك قال أصحابنا : ويكره للمصلي الإصغاء إلى قراءة غير إمامه ، فإن أصغى المنفرد لقراءة قارئ في الصلاة أو غيرها لم يجز أن يسجد ; لأنه ممنوع من هذا الإصغاء ، فإن سجد بطلت صلاته ، وإن كان المصلي إماما فهو كالمنفرد فيما ذكرناه ، قال أصحابنا : ولا يكره له قراءة آية السجدة في الصلاة سواء كانت صلاة جهرية أو سرية ، هذا مذهبنا وسنذكر مذاهب العلماء فيه إن شاء الله تعالى .

                                      وإذا سجد الإمام لزم المأموم السجود معه ، فإن لم يسجد بطلت صلاته بلا خلاف لتخلفه عن الإمام ، ولو لم يسجد الإمام لم يسجد المأموم ، فإن خالف وسجد بطلت صلاته بلا خلاف ، ويستحب أن يسجد بعد سلامه ليتداركها ولا يتأكد ولو سجد الإمام ولم يعلم المأموم حتى رفع الإمام رأسه من السجود لا تبطل صلاة المأموم ; لأنه تخلف بعذر ، ولكن لا يسجد ، فلو علم والإمام بعد في السجود لزمه السجود ، ولو هوى المأموم ليسجد معه فرفع الإمام وهو في الهوي رجع معه ولم يسجد ، وكذا الضعيف البطيء [ ص: 553 ] الحركة الذي هوى مع الإمام لسجود التلاوة فرفع الإمام رأسه قبل انتهائه إلى الأرض لا يسجد بل يرجع معه بخلاف سجود نفس الصلاة فإنه لا بد أن يأتي به ، وإن رفع الإمام ; لأنه فرض . وأما المأموم فيكره له قراءة السجدة ويكره له أيضا الإصغاء إلى قراءة غير إمامه كما سبق . فلو سجد لقراءة نفسه أو لقراءة غير إمامه بطلت صلاته ; لأنه زاد سجودا عمدا .




                                      الخدمات العلمية