الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان بمعرض أن يقولوا: إن ذهب عليك من شيء فأت بمثله من عند نفسك؛ ومما اكتسبته منه من الأساطير؛ أمره أن يجيبهم عن هذا بقوله - دلالة على مضمون ما قبله -: قل ؛ ولما أريد هنا المماثلة في كل التفصيل إلى جميع السور في المعاني الصادقة؛ والنظوم الرائقة؛ كما دل عليه التعبير بالقرآن؛ زاد في التحدي قيد الاجتماع من الثقلين؛ وصرف الهمم للتظاهر؛ والتعاون؛ والتضافر؛ بخلاف ما مضى في السور السابقة؛ فقال (تعالى) - مؤكدا باللام الموطئة للقسم؛ لادعائهم أنهم لو شاؤوا أتوا بمثله؛ والجواب حينئذ للقسم؛ وجواب الشرط محذوف؛ دل عليه جواب القسم -: لئن اجتمعت الإنس ؛ الذين تعرفونهم؛ وتعرفون ما أتوا من البلاغة؛ والحكمة؛ والذين لا تعرفونهم؛ وقدمهم لسهولة اجتماعهم بهم؛ ولأنهم عندهم الأصل في البلاغة؛ والجن ؛ الذين يأتون كهانكم؛ ويشجعون لهم؛ ويعلمونهم ببعض المغيبات عنهم؛ [ ص: 509 ] وترك الملائكة لأنهم لا عهد لهم بشيء من كلامهم؛ على أن يأتوا ؛ أي: يجددوا إيتاء ما؛ في وقت ما؛ في حال اجتماعهم؛ بمثل هذا القرآن ؛ أي: جميعه؛ على ما هو عليه من التفصيل؛ وخصه بالإشارة تنبيها على أن ما يقوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عن الله وحي من الله؛ ليس فيه شيء من عند نفسه؛ وأن المراد في هذا السياق المتحدى به؛ الذي اسمه القرآن؛ خاصة؛ لا يأتون

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت هذه السورة مكية؛ فكان أكثر ما يمكن في هذه الآية أن يكون آخر المكي؛ فيختص التحدي به؛ وكان المظهر إذا أعيد مضمرا؛ أمكن فيه الخصوص؛ وكان المراد إنما هو الشمول؛ ومتى أريد الشمول استؤنف له؛ إحاطة باستئناف إظهار محيط؛ كما يأتي عن الحرالي في أواخر سورة "الكهف"؛ لم يقل هنا "به"؛ لذلك؛ ولئلا يظن أنه يعود على القرآن؛ لا على مثله؛ بل أظهر؛ فقال - دالا على أن المراد جميع المكي؛ والمدني -: بمثله ؛ أي: لا مع التقيد بمعانيه الحقة الحكيمة؛ حتى يأتوا بكلام في أعلى طبقات البلاغة؛ مبينا لأحسن المعاني؛ بأوضح المباني؛ ولا مع الانفكاك عنها إلى معان مفتراة; ثم أوضح أن المراد الحكم لعجزهم مجتمعين؛ ومنفردين؛ متظاهرين؛ وغير متظاهرين؛ فقال (تعالى): ولو ؛ ولما كان المكلفون مجبولين على المخالفة؛ [ ص: 510 ] وتنافي الأغراض؛ قال (تعالى): كان ؛ أي: جبلة؛ وطبعا؛ على خلاف العادة؛ بعضهم لبعض ظهيرا ؛ أي: معينا؛ بضم أقوى ما فيه إلى أقوى ما في صاحبه؛ وقد تقدم في السور المذكور فيها التحدي ما يتم هذا المعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية