الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2558 ) مسألة : قال : ( وإن كان متمتعا ، فيطوف بالبيت سبعا ، وبالصفا والمروة سبعا ، كما فعل للعمرة ، ثم يعود فيطوف بالبيت طوافا ينوي به الزيارة ، وهو قوله عز وجل : { وليطوفوا بالبيت العتيق } . ) أما الطواف الأول ، الذي ذكره الخرقي هاهنا ، فهو طواف القدوم ; لأن المتمتع لم يأت به قبل ذلك ، والطواف الذي طافه في العمرة كان طوافها ، ونص أحمد على أنه مسنون للمتمتع ، في رواية الأثرم ، قال : قلت لأبي عبد الله رحمه الله : فإذا رجع إلى منى أعني المتمتع كم يطوف ويسعى ؟ قال : يطوف ويسعى لحجه ، ويطوف طوافا آخر [ ص: 228 ] للزيارة .

                                                                                                                                            عاودناه في هذا غير مرة ، فثبت عليه . وكذلك الحكم في القارن والمفرد ، إذا لم يكونا أتيا مكة قبل يوم النحر ، ولا طافا للقدوم ، فإنهما يبدآن بطواف القدوم قبل طواف الزيارة . نص عليه أحمد أيضا ، واحتج بما روت عائشة ، قالت : فطاف الذين أهلوا بالعمرة ، وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، فطافوا طوافا ، آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا . فحمل أحمد قول عائشة على أن طوافهم لحجهم هو طواف القدوم ، ولأنه قد ثبت أن طواف القدوم مشروع ، فلم يكن تعين طواف الزيارة مسقطا له ، كتحية المسجد عند دخوله ، قبل التلبس بصلاة الفرض ، ولا أعلم أحدا وافق أبا عبد الله على هذا الطواف الذي ذكره الخرقي ، بل المشروع طواف واحد للزيارة ، كمن دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة ، فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد .

                                                                                                                                            ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع ، ولا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ، وحديث عائشة دليل على هذا ، فإنها قالت : طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم . وهذا هو طواف الزيارة ، ولم تذكر طوافا آخر ، ولو كان هذا الذي ذكرته طواف القدوم ، لكانت قد أخلت بذكر طواف الزيارة ، الذي هو ركن الحج ، لا يتم الحج إلا به ، وذكرت ما يستغنى عنه ، وعلى كل حال فما ذكرت إلا طوافا واحدا ، فمن أين يستدل به على طوافين ؟ وأيضا فإنها لما حاضت ، فقرنت الحج إلى العمرة ، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن طافت للقدوم لم تطف للقدوم ، ولا أمرها به النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الخرقي في موضع آخر ، في المرأة إذا حاضت فخشيت فوات الحج ، أهلت بالحج ، وكانت قارنة ، ولم يكن عليها قضاء طواف القدوم . ولأن طواف القدوم لو لم يسقط بالطواف الواجب ، لشرع في حق المعتمر طواف للقدوم مع طواف العمرة ، لأنه أول قدومه إلى البيت ، فهو به أولى من المتمتع ، الذي يعود إلى البيت بعد رؤيته وطوافه به ، وفي الجملة إن هذا الطواف المختلف فيه ليس بواجب ، وإنما الواجب طواف واحد ، وهو طواف الزيارة ، وهو في حق المتمتع كهو في حق القارن والمفرد ، في أنه ركن الحج ، لا يتم إلا به ، ولا بد من تعيينه بالنية ، فلو نوى به طواف الوداع أو غيره ، لم يجزه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية