الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
مسألة

ويستحب تطييب المصحف وجعله على كرسي ، ويجوز تحليته بالفضة إكراما له على الصحيح ، روى البيهقي بسنده إلى الوليد بن مسلم ، قال : " سألت مالكا عن تفضيض المصاحف ، فأخرج إلينا مصحفا ، فقال : حدثني أبي عن جدي أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه ، وأنهم فضضوا المصاحف على هذا ونحوه " . وأما بالذهب فالأصح يباح للمرأة دون الرجل ، وخص بعضهم الجواز بنفس المصحف دون علاقته المنفصلة عنه ; والأظهر التسوية .

ويحرم توسد المصحف وغيره من كتب العلم ; لأن فيه إذلالا وامتهانا ، وكذلك مد الرجلين إلى شيء من القرآن أو كتب العلم .

ويستحب تقبيل المصحف : لأن عكرمة بن أبي جهل كان يقبله ، وبالقياس على [ ص: 108 ] تقبيل الحجر الأسود ; ولأنه هدية من الله لعباده ، فشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير .

وعن أحمد ثلاث روايات ; الجواز ، والاستحباب ، والتوقف . وإن كان فيه رفعة وإكرام ; لأنه لا يدخله قياس ; ولهذا قال عمر في الحجر : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .

ويحرم السفر بالقرآن إلى أرض العدو للحديث فيه ، خوف أن تناله أيديهم ورماحهم ، وقيل : إن كثر الغزاة وأمن استيلاؤهم عليه لم يمنع ; لقوله : مخافة أن تناله أيديهم ورماحهم .

ويحرم كتابة القرآن بشيء نجس ; وكذلك ذكر الله تعالى ; وتكره كتابته في القطع الصغير ; رواه البيهقي عن علي وغيره . وعنه تنوق رجل في : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فغفر له .

وقال الضحاك بن مزاحم : " ليتني قد رأيت الأيدي تقطع فيمن كتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) يعني لا يجعل له سنات . قال : وكان ابن سيرين يكره ذلك كراهة شديدة .

ويستحب تجريد المصحف عما سواه . وكرهوا الأعشار والأخماس معه ، وأسماء السور وعدد الآيات . وكانوا يقولون : جردوا المصحف . وقال الحليمي : " يجوز ; لأن النقط ليس له [ ص: 109 ] قراءة ، فيتوهم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا ، وإنما هي دلالات على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لمن يحتاج إليها .

وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " في الصلاة وفي فضائل القرآن : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال عبد الله بن مسعود : جردوا القرآن . وفي رواية : لا تلحقوا به ما ليس منه ، ورواه عبد الرزاق في مصنفه في أواخر الصوم ، ومن طريقه رواه الطبراني في معجمه ، ومن طريق ابن أبي شيبة رواه إبراهيم الحربي في كتابه غريب الحديث . وقال : قوله : " جردوا " يحتمل فيه أمران : أحدهما ; أي جردوه في التلاوة ، ولا تخلطوا به غيره . والثاني : أي جردوه في الخط من النقط والتعشير .

قلت : الثاني أولى لأن الطبراني أخرج في " معجمه " عن مسروق عن ابن مسعود : أنه كان يكره التعشير في المصحف . وأخرجه البيهقي في كتاب " المدخل " ، وقال : قال أبو عبيد : كان إبراهيم يذهب به إلى نقط المصاحف . ويروى عن عبد الله : أنه كره التعشير في المصحف . قال البيهقي : وفيه وجه آخر أبين منه ، وهو أنه أراد : لا تخلطوا به غيره من الكتب ; لأن ما خلا القرآن من كتب الله تعالى إنما يؤخذ عن اليهود والنصارى ; وليسوا [ ص: 110 ] بمأمونين عليها . وقوي هذا الوجه بما أخرجه عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال : لما خرجنا إلى العراق خرج معنا عمر بن الخطاب يشيعنا ، فقال : إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تشغلوهم بالأحاديث فتصدوهم جردوا القرآن .

قال : فهذا معناه ; أي لا تخلطوا معه غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية