الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا بعد أن بين - سبحانه وتعالى - مثل الحياة الدنيا؛ من حيث إنها متعة غير باقية؛ وما فيها من خير هو الفناء؛ لا بقاء فيه؛ ذكر - سبحانه - ما فيها من زينة وتفاخر؛ ومادة للتطاول؛ فقال: المال والبنون زينة الحياة الدنيا الزينة ما يتزين به؛ وهي مصدر وصف به؛ والمصدر إذا وصف به لا يثنى ولا يجمع؛ ولذا وصف به المال والبنون؛ وكان المال والبنون الزينة؛ لأنه كان بهما القوة؛ فكان المال قوة؛ لما يمكن صاحبه من الحصول على حاجاته؛ ولما يمكنه من الحصول على مآربه من أعدائه؛ وأوليائه؛ والبنون لأنهم القوة في النصرة; ولذا كانت مفاخرة أحد الرجلين على صاحبه قوله: أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ؛ والنفر أكثر ما يكون بالولد؛ والله (تعالى) يقول فيمن طغى بماله وولده: ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا

                                                          وقد سمى الله (تعالى) القوة بالمال والبنين زينة؛ لأنها موضع تفاخر وتباه كالزينة؛ وقدم المال على البنين؛ لأن البنين من غير مال لا يكونون زينة؛ بل [ ص: 4539 ] يكونون تكليفا؛ وقد يكون مرهقا؛ وإن أمور العقلاء تجري على سنة المنفعة؛ فما يكون أكثر منفعة وأبقى؛ يطلبه العقلاء؛ وما يكون أقل نفعا؛ ولا يبقى؛ ينفر منه العقلاء؛ ولا يقبلون عليه؛ ولذلك بين الله (تعالى) أن زينة الدنيا وخيراتها غير باقية؛ إنما الباقيات الصالحات في الآخرة هي الأكثر فائدة وأملا؛ فقال (تعالى): والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا "الباقيات "؛ وصف لموصوف محذوف؛ أي: والأعمال التي تبقى؛ ولا تفنى سريعا؛ وهي صالحة في ذاتها؛ عامرة لما بين العبد وربه أولا؛ وبينه وبين الناس؛ ويباركها الرب ثانيا؛ سواء أكانت من شأنها أن تكون ذات أثر باق في الدنيا؛ من عمل طيب يبقى أثره بعد الموت؛ أم كان يرجى خيره في الآخرة؛ وفي الجملة: الأعمال التي تكون كثيرة النفع في ذاتها ويبقى أثرها بعدها؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية؛ أو علم ينتفع به؛ أو ولد صالح يدعو له "؛ هذا في الدنيا؛ أما في الآخرة فكل ما يحرثه العبد للآخرة يكون باقيا؛ يقول علي - كرم الله وجهه -: "الحرث حرثان: حرث الدنيا: المال والبنون؛ وحرث الآخرة: الباقيات الصالحات "؛ وقد يجمعهن الله (تعالى) لأقوام؛ وقد حكم - سبحانه - بأن: والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا أي: خير فائدة؛ وعائدة؛ وعاقبة؛ وتفتح باب الأمل؛ لخير عميم؛ ونعيم مقيم؛ وجنة خالدين فيها؛ وكرر كلمة "خير "؛ لاختلاف نوعيهما؛ فالأول عاجل في الدنيا؛ والثاني أمل ورجاء في الآخرة؛ وقد ذكر الله (تعالى) الآخرة؛ ومقدمات البعث والقيامة؛ فقال - عز من قائل -:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية