الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب القسم للبكر والثيب الجديدتين 2828 - ( عن أم سلمة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال : إنه ليس بك هوان على أهلك ، فإن شئت سبعت لك ، وإن سبعت لك سبعت لنسائي } رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه . ورواه الدارقطني ولفظه : { إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين دخل بها : ليس بك على أهلك هوان ، إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك ، وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي ، قالت : تقيم معي ثلاثا خالصة } ) .

                                                                                                                                            2829 - ( وعن أبي قلابة عن { أنس قال : من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم } ، قال أبو قلابة : ولو شئت لقلت : إن أنسا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجاه ) .

                                                                                                                                            2830 - ( وعن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { يقول : للبكر سبعة أيام ، وللثيب ثلاث ثم يعود إلى نسائه } رواه الدارقطني ) .

                                                                                                                                            [ ص: 255 ] وعن أنس قال : { لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم صفية أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا } . رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            لفظ الدارقطني في حديث أم سلمة في إسناده الواقدي وهو ضعيف جدا ، وحديث أنس الآخر في الإقامة عند صفية أخرجه أيضا النسائي ، ورجال أبي داود رجال الصحيح قوله : ( سبعت لك ) في رواية لمسلم " وإن شئت ثلثت ثم درت ، قالت : ثلث " وفي رواية للحاكم أنها أخذت بثوبه مانعة له من الخروج من بيتها ، فقال لها : " إن شئت " الحديث .

                                                                                                                                            وفي حديث أم سلمة دليل على أن الزوج إذا تعدى السبع للبكر والثلاث للثيب بطل الإيثار ، ووجب قضاء سائر الزوجات مثل تلك المدة بالنص في الثيب والقياس في البكر ، ولكن إذا وقع من الزوج تعدي تلك المدة بإذن الزوجة ، ومعنى قوله : " ليس بك على أهلك هوان " أنه لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك .

                                                                                                                                            قال القاضي عياض : المراد بأهلك هنا النبي صلى الله عليه وسلم نفسه : أي إني لا أفعل فعلا به هوانك . قوله : " قال أبو قلابة . . . إلخ " قال ابن دقيق العيد : قول أبي قلابة يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا . والثاني : أن يكون رأى أن قول أنس : من السنة ، في حكم المرفوع ، فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح لأنه في حكم المرفوع . قال : والأول أقرب ; لأن قوله : " من السنة " يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل . وقوله أنه رفعه نص في رفعه ، وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص في رفعه ، وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله : من السنة كذا ، وبين رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            وقد روى هذا الحديث جماعة عن أنس وقالوا فيه : قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في البيهقي ومستخرج الإسماعيلي وصحيح أبي عوانة وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان والدارمي والدارقطني . وأحاديث الباب تدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب بثلاث . قيل : وهذا في حق من كان له زوجة قبل الجديدة . وقال ابن عبد البر حاكيا عن جمهور العلماء : إن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف ، وسواء كان عنده زوجة أم لا .

                                                                                                                                            وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب . قال في الفتح : وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب . واختار النووي أن لا فرق وإطلاق الشافعي يعضده . ويمكن التمسك لقول من اشترط أن يكون عنده زوجة قبل الجديدة بقوله في حديث أنس المذكور : " وإذا تزوج البكر على الثيب " . ويمكن الاستدلال لمن لم يشترط بقوله في حديث أنس أيضا : { للبكر سبع وللثيب ثلاث } . قال الحافظ : لكن [ ص: 256 ] القاعدة أن المطلق محمول على المقيد ، قال : وفيه - يعني حديث أنس المذكور - حجة على الكوفيين في قولهم : إن البكر والثيب سواء في الثلاث ، وعلى الأوزاعي في قوله : للبكر ثلاث وللثيب يومان .

                                                                                                                                            وفيه حديث مرفوع عن عائشة ، أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا انتهى . وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والحكم وحماد أنها تؤثر البكر والثيب بذلك المقدار تقديما ويقضي البواقي مثله . وحكي في البحر أيضا عن الحسن البصري وابن المسيب أنها تؤثر البكر بليلتين والثيب بليلة . قال في الفتح : تنبيه : يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن الصلاة وسائر أعمال البر . قال : وعن ابن دقيق العيد أنه قال : أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة وبالغ في التشنيع . وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوب المقام عندها وهو قول الشافعية . ورواه ابن قاسم عن مالك وعنه يستحب وهو وجه للشافعية ، فعلى الأصح يتعارض عنده الواجبان فيقدم حق الآدمي فليس بشنيع وإن كان مرجوحا انتهى .

                                                                                                                                            ولا يخفى أن مثل هذا لا يرد به على تشنيع ابن دقيق العيد لأنه شنع على القائل كائنا من كان ، وهو قول شنيع كما ذكر فكيف يجاب عنه بأن هذا قد قال به فلان وفلان اللهم إلا أن يكون ابن دقيق العيد موافقا في وجوب المقام بلا استثناء .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية