الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما يجب فيه التعديل بين الزوجات وما لا يجب 2832 - ( عن أنس قال : { كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة ، وكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلى تسع ، فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها } . رواه مسلم ) .

                                                                                                                                            2833 - ( وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة ، فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها } . رواه أحمد وأبو داود بنحوه .

                                                                                                                                            وفي لفظ : { كان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            2834 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من كانت له امرأتان يميل [ ص: 257 ] لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا } رواه الخمسة ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه ، ولفظ أبي داود في رواية : كان { لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا ، وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها } .

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الدارمي وابن حبان والحاكم ، قال : وإسناده على شرط الشيخين . واستغربه الترمذي مع تصحيحه . وقال عبد الحق : وهو خبر ثابت لكن علته أن هماما تفرد به وأن هشاما رواه عن قتادة فقال : كان يقال . وأخرج أبو نعيم عن أنس نحوه .

                                                                                                                                            قوله : ( إلى تسع ) فيه دليل على أن القسمة كانت بين تسع ، ولكن المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين ثمان من نسائه فقط ، فكان يجعل لعائشة يومين يومها ويوم سودة الذي وهبته لها ، ولكل واحدة يوما .

                                                                                                                                            وفيه دليل على أنه لا يشترط في العدل بين الزوجات أن يفرد لكل واحدة ليلة بحيث لا يجتمع فيها مع غيرها ، بل يجوز مجالسة غير صاحبة النوبة ومحادثتها ، ولهذا كن يجتمعن كل ليلة في بيت صاحبة النوبة . وكذلك يجوز للزوج دخول بيت غير صاحبة النوبة والدنو منها واللمس إلا الجماع كما في حديث عائشة المذكور .

                                                                                                                                            قوله : ( يميل لإحداهما ) فيه دليل على تحريم الميل إلى إحدى الزوجتين دون الأخرى إذا كان ذلك في أمر يملكه الزوج كالقسمة والطعام والكسوة . ولا يجب على الزوج التسوية بين الزوجات فيما لا يملكه كالمحبة ونحوها لحديث عائشة الآتي . وقد ذهب أكثر الأئمة إلى وجوب القسم بين الزوجات . وحكي في البحر عن قوم مجاهيل أنه يجوز لمن له زوجتان أن يقف مع إحداهما ليلة ومع الأخرى ثلاثا ; لأن له أن ينكح أربعا وله إيثار أيتهما شاء بالليلتين ، ومثله عن الناصر ، لكن حمله أصحابه على الحكاية دون أن يكون مذهبه ، ولا شك أن مثل هذا يعد من الميل الكلي ، والله يقول : { فلا تميلوا كل الميل } .

                                                                                                                                            2835 - ( وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك } رواه الخمسة إلا أحمد ) .

                                                                                                                                            2836 - ( عن عمر قال : { قلت : يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يريد عائشة ، فتبسم [ ص: 258 ] النبي صلى الله عليه وسلم } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            2837 - ( وعن عائشة : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه : أين أنا غدا ؟ أين أنا غدا ؟ يريد يوم عائشة ؟ فأذن له أزواجه يكون حيث شاء ، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            2838 - ( وعن عائشة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه } . متفق عليه ) . حديث عائشة الأول أخرجه أيضا الدرامي وصححه ابن حبان والحاكم ، ورجح الترمذي إرساله فقال : رواية حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا أصح ، وكذا أعله النسائي والدارقطني . وقال أبو زرعة : لا أعلم أحدا تابع حماد بن سلمة على وصله .

                                                                                                                                            قوله : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ) استدل به من قال : إن القسم كان واجبا عليه . وذهب بعض المفسرين والإصطخري والمهدي في البحر إلى أنه لا يجب عليه . واستدلوا بقوله تعالى : { ترجي من تشاء منهن } الآية ، وذلك من خصائصه . قوله : ( فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) قال الترمذي : يعني به الحب والمودة ، كذلك فسره أهل العلم . وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } قال : في الحب والجماع . وعند عبيدة بن عمرو السلماني مثله .

                                                                                                                                            قوله : ( أن كانت جارتك ) بالفتح للهمزة وبالكسر كما قال في الفتح ، والمراد بالجارة ههنا : الضرة ، أو هو على حقيقته لأنها كانت مجاورة لها . قال في الفتح : والأولى أن يحمل اللفظ هنا على معنييه لصلاحيته لكل منهما ، والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيا .

                                                                                                                                            قوله : ( أوضأ منك ) من الوضاءة ، ووقع في رواية معمر " أوسم " من الوسامة ، والمراد : أجمل ، كأن الجمال وسمة : أي علامة . قوله : ( يريد يوم عائشة ) فيه دليل على أن مجرد إرادة الزوج أن يكون عند بعض نسائه في مرضه أو في غيره لا يكون محرما عليه بل يجوز له ذلك ، ويجوز للزوجات الإذن له بالوقوف مع واحدة منهن . قوله : ( إذا أراد سفرا ) مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه ، بل لتعين القرعة من يسافر بها ، ويجري القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين نسائه فلا يبدأ بأيتهن شاء ، بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة إلا أن يرضين بتقديم من اختاره جاز بلا قرعة . قوله : ( أقرع ) [ ص: 259 ] استدل بذلك على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك . والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة .

                                                                                                                                            قال القاضي عياض : هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الحظ والقمار . وحكي عن الحنفية إجازتها ، انتهى .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية