الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل :

[ الحكمة في الجمع بين المختلفات في الحكم متى اتفقت في موجبه ]

وأما قوله " إن الشريعة جمعت بين المختلفات ، كما جمعت بين الخطأ والعمد في ضمان الأموال " فغير منكر في العقول والفطر والشرائع والعادات اشتراك المختلفات في حكم واحد باعتبار اشتراكها في سبب ذلك الحكم ; فإنه لا مانع من اشتراكها في أمر يكون علة لحكم من الأحكام ، بل هذا هو الواقع ، وعلى هذا فالخطأ والعمد اشتركا في الإتلاف الذي هو علة للضمان ، وإن افترقا في علة الإثم ، وربط الضمان بالإتلاف من باب ربط الأحكام بأسبابها ، وهو مقتضى العدل الذي لا تتم المصلحة إلا به ، كما أوجب على القاتل خطأ دية القتيل ; ولذلك لا يعتمد التكليف فيضمن الصبي والمجنون والنائم ما أتلفوه من الأموال ، وهذا من الشرائع العامة التي لا تتم مصالح الأمة إلا بها ; فلو لم يضمنوا جنايات أيديهم لأتلف بعضهم أموال بعض ، وادعى الخطأ وعدم القصد . وهذا بخلاف أحكام الإثم والعقوبات ; فإنها تابعة للمخالفة وكسب العبد ومعصيته ; ففرقت الشريعة فيها بين العامد والمخطئ ، وكذلك البر والحنث في الأيمان فإنه نظير الطاعة والعصيان في الأمر والنهي ; فيفترق الحال فيه بين العامد والمخطئ . [ ص: 117 ]

وأما جمعها بين المكلف وغيره في الزكاة فهذه مسألة نزاع واجتهاد ، وليس عن صاحب الشرع نص بالتسوية ولا بعدمها ، والذين سووا بينهما رأوا ذلك من حقوق الأموال التي جعل الله سبحانه الأموال سببا في ثبوتها ، وهي حق للفقراء في نفس هذا المال ، سواء كان مالكه مكلفا أو غير مكلف ، كما جعل في ماله حق الإنفاق على بهائمه ورقيقه وأقاربه ; فكذلك جعل في ماله حقا للفقراء والمساكين .

التالي السابق


الخدمات العلمية