الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2573 ) مسألة : قال ( ويفعل في اليوم الثاني كما فعل بالأمس ، فإن أحب أن يتعجل في يومين ، خرج قبل غروب الشمس . فإن غربت الشمس وهو بها ، لم يخرج حتى يرمي من غد بعد الزوال ، كما رمى بالأمس ) وجملته أن الرمي في اليوم الثاني كالرمي في اليوم الأول ، في وقته وصفته وهيئته لا نعلم فيه خلافا . فإن أحب التعجل في يومين ، خرج قبل الغروب .

                                                                                                                                            وأجمع أهل العلم على أن من أراد الخروج من منى شاخصا عن الحرم ، غير مقيم بمكة ، أن ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق ، فإن أحب الإقامة بمكة فقال أحمد : لا يعجبني لمن ينفر النفر الأول أن يقيم بمكة . وكان مالك يقول في أهل مكة : من كان له عذر فله أن يتعجل في يومين ، فإن أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحج فلا . ويحتج من ذهب إلى هذا بقول عمر رضي الله عنه من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الأول ، إلا آل خزيمة ، فلا ينفرون إلا في النفر الآخر . جعل أحمد وإسحاق معنى قول عمر : إلا آل خزيمة .

                                                                                                                                            أي أنهم أهل حرم . مكة والمذهب جواز النفير في النفر الأول لكل أحد . وهو قول عامة العلماء ; لقول الله تعالى { : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم [ ص: 235 ] عليه لمن اتقى } . قال عطاء : هي للناس عامة . وروى أبو داود ، وابن ماجه ، عن عبد الرحمن بن يعمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه } . قال ابن عيينة : هذا أجود حديث رواه سفيان . وقال وكيع : هذا الحديث أم المناسك ، وفيه زيادة أنا اختصرته . ولأنه دفع من مكان ، فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم ، كالدفع ، من عرفة ومن مزدلفة . وكلام أحمد في هذا أراد به الاستحباب ، موافقة لقول عمر ، لا غير . فمن أحب التعجيل في النفر الأول خرج قبل غروب الشمس ، فإن غربت قبل خروجه من منى لم ينفر ، سواء كان ارتحل أو كان مقيما في منزله ، لم يجز له الخروج ، هذا قول عمر ، وجابر بن زيد ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وأبان بن عثمان ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث ; لأنه لم يدخل وقت رمي اليوم الآخر ، فجاز له النفر كما قبل الغروب . ولنا ، قوله تعالى { : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } . واليوم اسم للنهار ، فمن أدركه الليل فما تعجل في يومين . قال ابن المنذر وثبت عن ابن عمر أنه قال : من أدركه المساء في اليوم الثاني ، فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس . وما قاسوا عليه لا يشبه ما نحن فيه ; فإنه تعجل في اليومين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية