الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( فائدة في مخرجي الضاد والظاء وحكم تحريف الأول )

                          قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما ، وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس ، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة ، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك ، والله أعلم . وأما الحديث : " أنا أفصح من نطق بالضاد " فلا أصل له . ا هـ .

                          وأقول : إن أكثر أهل الأمصار العربية قد أرادوا الفرار من جعل الضاد ظاء ، كما يفعل الترك وغيرهم من الأعاجم ، فجعلوها أقرب إلى الطاء منها إلى الضاد حتى القراء المجودون منهم ، [ ص: 84 ] إلا أهل العراق وأهل تونس فهم على ما نعلم أفصح أهل الأمصار نطقا بالضاد ، وإننا نجد أعراب الشام وما حولها ينطقون بالضاد فيحسبها السامع ظاء لشدة قربها منها وشبهها بها . وهذا هو المحفوظ عن فصحاء العرب الأولين حتى اشتبه نقلة العربية عنهم في مفردات كثيرة قالوا : إنها سمعت بالحرفين وجمعها بعضهم في مصنف مستقل ، والأشبه أنه قد اشتبه عليهم أداؤها منهم فلم يفرقوا ، والفرق ظاهر ولكنه غير بعيد .

                          وقد قرئ قوله تعالى في سورة التكوير : ( وما هو على الغيب بضنين ) بكل من الضاد والظاء ، والضنين : البخيل ، والظنين : المتهم ، وفائدتهما نفي كل من البخل والتهمة . والمعنى : ما هو ببخيل في تبليغه فيكتم ، ولا بمتهم فيكذب ، قال في الكشاف : وهو في مصحف عبد الله بالظاء ، وفي مصحف أبي بالضاد ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بهما . وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ، ومعرفة مخرجيهما مما لا بد منه للقارئ ، فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين ، وإن فرقوا ففرقا غير صواب وبينهما بون بعيد ، فإن مخرج الضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان ويساره ، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أضبط : يعمل بكلتا يديه ، وكان يخرج الضاد من جانبي لسانه ، وهي أحد الأحرف الشجرية أخت الجيم والشين ، وأما الظاء فمخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا . وهي أحد الأحرف الذولقية ، أخت الذال والثاء ، ولو استوى الحرفان لما ثبتت في هذه الكلمة قراءتان اثنتان ، واختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة . ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب . ا هـ .

                          وأقول : صدق أبو القاسم الزمخشري في تحقيقه هذا كله إلا قوله : إن البون بين الحرفين بعيد ، فالفرق ثابت ولكنه قريب ، وهو يحصل بإخراج طرف اللسان بالظاء بين الثنايا كأختيه الثاء والذال ، ولا شركة بينه وبينهما إلا في هذا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية