الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : [ هل تعجيل التيمم أفضل أم تأخيره ؟ ]

                                                                                                                                            ( قال الشافعي ) : " وأحب تعجيل التيمم لاستحبابي تعجيل الصلاة وقال في الإملاء لو أخره إلى آخر الوقت رجاء أن يجد الماء كان أحب إلي ( قال المزني ) قلت أنا كأن التعجيل بقوله أولى لأن السنة أن يصلي ما بين أول الوقت وآخره - فلما كان أعظم لأجره في أداء الصلاة بالوضوء فالتيمم مثله وبالله التوفيق " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها : في مسافر دخل عليه وقت الصلاة وهو عادم للماء فله ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتيقن عدم الماء إلى آخر الوقت .

                                                                                                                                            والثاني : أن يتيقن وجود الماء قبل خروج الوقت .

                                                                                                                                            والثالث : أن لا يتيقن واحدا من الأمرين . فإن تيقن عدم الماء إلى آخر الوقت بما قد عرفه من حال طريقه وإعواز الماء فيه ، فالأفضل به تعجيل الصلاة بالتيمم لأول وقتها ، لأنه لما استوى حال الطهارة في أول الوقت وآخره صار إدراك الوقت فضيلة مجردة وإن تيقن وجود الماء قبل خروج الوقت بما قد عرفه من حال طريقه وما فيه من نهر أو واد أو بئر كان تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لتؤدى بالطهارة الكاملة أحق : لأن الطهارة بالماء لا يجوز العدول عنها مع القدرة ، وأول الوقت يجوز تركه مع القدرة ، فصار كمال الطهارة أفضل من تعجيل الوقت ، فإن كان تيقنه بوجود الماء في منزله الذي هو فيه عند دخول الوقت كان تأخير الصلاة إلى استعمال الماء واجبا : لأن المنزل كله محل للطلب ، وإن كان تيقنه للماء في غير [ ص: 286 ] منزله ذلك كان تأخير الصلاة ، مستحبا ، وتعليله ما ذكرنا فلا وجه لمن أطلق استحباب التأخير من أصحابنا وما ذكرناه من تفضيل الحال فيه هو مقتضى التعليل وإن لم يتيقن استدامة عدمه ، ولا حدوث وجوده ، فلم يكن أحد الأمرين غالبا ، فالتعجيل جائز ، والتأخير جائز ، وفي الأفضل منهما قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وبه قال في الإملاء أن تأخيرها إلى آخر وقتها أفضل رجاء أن يؤديها بطهارة كاملة ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة " وقال : " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء " فجعل تأخيرها بعدم الحر والشهوة أفضل . وليس هذا العذر قربة ، كان تأخيرها لطلب الماء في آخر الوقت أولى لكون الطلب قربة ، ولأن كمال الطهارة أفضل من الجماعة في الصلاة ، فلما كان تأخيرها عن أول الوقت لطلب الجماعة أفضل ، فأولى أن يكون تأخيرها لكمال الطهارة أفضل .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في الجديد أن تعجيلها بالتيمم أولى في الوقت ، وأفضل واختاره المزني ، وهو الصحيح ، ووجهه حديث أم فروة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الأعمال فقال : الصلاة لأول وقتها " ولأن فضيلة أول الوقت متيقنة والقدرة على كمال الطهارة في آخر الوقت فضيلة مجوزة ، والعمل بما يتيقنه من الفضيلتين أولى من الاتكال على ما شك في وجوده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية