الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1136 1087 - مالك ، عن أبي الزبير المكي ; أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة . فقال هذا نكاح السر . ولا [ ص: 211 ] أجيزه . ولو كنت تقدمت فيه ، لرجمت .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        24086 - قال ابن وضاح : يقول : هذا تغليظ من عمر .

                                                                                                                        24087 - قال أبو عمر : معلوم أن الرجم إنما يجب على الزاني ، والزاني من وطئ فرجا لا شبهة له في وطئه .

                                                                                                                        24088 - وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني هشيم ، عن يونس ، عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة ، فأسر ذلك ، فكان يختلف إليها في منزلها ، فرآه جار لها يدخل عليها ، فقذفه بها ، فخاصمه إلى عمر بن الخطاب ، فقال : يا أمير المؤمنين ! هذا كان يدخل على جارتي ، ولا أعلمه تزوجها ، فقال له : قد تزوجت امرأة على شيء دون ، فأخفيت ذلك . قال : فمن شهدكم ؟ قال : أشهدنا بعض أهلها ، قال : فدرأ الحد عن قاذفه ، وقال : أعلنوا هذا النكاح ، وحصنوا هذه الفروج .

                                                                                                                        [ ص: 212 ] 24089 - قال : وحدثني ابن فضيل ، عن ليث ، عن طاوس ، قال : أتي عمر بامرأة قد حملت من رجل ، فقالت : تزوجني فلان ، فقال : إني تزوجتها بشهادة من أمي وأختي . ففرق بينهما ، ودرأ عنهما الحد ، وقال : لا نكاح إلا بولي .

                                                                                                                        24090 - وروى حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، قال : كان أبي يقول : لا يصلح نكاح السر .

                                                                                                                        24091 - وقال داود بن قيس : سمعت نافعا - مولى ابن عمر - يقول : ليس في الإسلام نكاح سر .

                                                                                                                        24092 - قال عبد الله بن عتبة : شر النكاح نكاح السر .

                                                                                                                        24093 - وروى معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : الفرق ما بين السفاح والنكاح : الشهود .

                                                                                                                        24094 - والثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم قال في رجل تزوج بغير شهود ، قال : يفرق بينهما ، ويعاقب .

                                                                                                                        24095 - قال أبو عمر : نكاح السر عند مالك ، وأصحابه : أن يستكتم [ ص: 213 ] الشهود ، أو يكون عليه من الشهود رجل وامرأتان ، ونحو ذلك مما يقصد به إلى التستر ، وترك الإعلان .

                                                                                                                        24096 - وروى ابن القاسم ، عن مالك ، قال : لو تزوج ببينة ، وأمرهم أن يكتموا ذلك ، لم يجز النكاح ، وإن تزوج بغير بينة على غير استسرار جاز ، واستشهد فيما يستقبلان .

                                                                                                                        24097 - وروى ابن وهب ، عن مالك في الرجل يتزوج المرأة بشهادة رجلين ، ويستكتمها ، قال : يفرق بينهما بتطليقة ، ولا يجوز النكاح ، ولها صداقها إن كان أصابها ، ولا يعاقب الشاهدان إن كانا جهلا ذلك ، وإن كانا أتيا ذلك بمعرفة أن ذلك لا يصلح عوقبا .

                                                                                                                        24098 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : إذا تزوجها بشاهدين ، وقال لهما : اكتما ، جاز النكاح .

                                                                                                                        24099 - وهو قول يحيى بن يحيى صاحبنا ، قال : كل نكاح شهد عليه رجلان ، فقد خرج من حد السر ، وأظنه حكاه عن الليث بن سعد .

                                                                                                                        24100 - والسر عند الشافعي والكوفيين ، ومن تابعهم : كل نكاح لم يشهد [ ص: 214 ] عليه رجلان ، فصاعدا ، ويفسخ على كل حال .

                                                                                                                        24101 - قال أبو عمر : مالك - رحمه الله يرى أن النكاح منعقد برضا الزوجين المالكين لأنفسهما ، وولي المرأة ، أو رضا الوليين في الصغار ومن جرى مجراهم من البوالغ الكبار على ما ذكرنا من مذهبه في باب الأولياء .

                                                                                                                        24102 - وليس الشهود في النكاح عنده من فرائض عقد النكاح .

                                                                                                                        24103 - ويجوز عقده بغير شهود .

                                                                                                                        24104 - وهو قول الليث .

                                                                                                                        24105 - والحجة لمذهبه أن البيوع التي ذكر الله فيها الإشهاد عند العقد قد قامت الدلالة بأن ذلك ليس من فرائض البيوع ، فالنكاح الذي لم يذكر الله فيه الإشهاد أحرى بأن لا يكون الإشهاد فيه من شروط فرائضه ، وإنما الفرض الإعلان والظهور لحفظ الأنساب ، والإشهاد يصلح بعد العقد للتداعي ، والاختلاف فيما ينعقد بين المتناكحين .

                                                                                                                        24106 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أعلنوا النكاح " .

                                                                                                                        [ ص: 215 ] 24107 - وقول مالك هذا هو قول ابن شهاب ، وأكثر أهل المدينة .

                                                                                                                        24108 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، والحسن بن صالح : لا نكاح إلا بشهود .

                                                                                                                        24109 - وقال الشافعي ، والحسن ، والثوري : أقل ذلك شاهدا عدل ، إلا أن الشافعي قال : شهود النكاح على العدالة حتى تتبين الجرحة في حين العقد .

                                                                                                                        24110 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : يجوز أن ينعقد النكاح بشهادة أعميين ، ومحدودين في قذف ، وفاسقين .

                                                                                                                        24111 - قال أبو عمر : ذهب هؤلاء إلى أن الإعلان المأمور به في النكاح هو الإشهاد في حين العقد ، ولم يشترطوا في الإعلان العدالة .

                                                                                                                        24112 - وروي عن ابن عباس أنه قال : لا نكاح إلا بشاهدي عدل ، وولي مرشد .

                                                                                                                        24113 - ولا مخالف له من الصحابة علمته .

                                                                                                                        24114 - وعن ابن عباس أيضا أنه قال : البغاء : اللواتي يزوجن أنفسهن بغير بينة .

                                                                                                                        [ ص: 216 ] 24115 - قال أبو عمر : قد علم أن البغي لو أعلنت ببغيها حدت ، ولم يدخل إعلانها زناها في باب إعلان ، كما أن مهر البغي لو كان أكثر من مهر الصداق لم يكن ذلك حلالا ، كقول ابن عباس ، إنما هو تحريض على الإشهاد ، ومدح له ، ونهي عن تركه ، وذم له ليوقف عند السنة فيه ، ولا يتعدى . كما قيل : كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا .

                                                                                                                        24116 - ومعلوم أنه لا قود ، ولا دية في كسر عظم الميت ، وإنما اشتبهن في الإثم ، كما أشبه ترك الإشهاد والإعلان بما يستر من الفواحش في غير الإثم .

                                                                                                                        24117 - قال أبو عمر : الحديث في هذا الباب عن عمر إنما ورد في نكاح لم يحضره إلا رجل وامرأة ، فجعله سرا ، إذ لم تتم فيه الشهادة .

                                                                                                                        24118 - وقد اختلف الفقهاء في النكاح بشهادة رجل وامرأتين ، فأجاز ذلك الكوفيون .

                                                                                                                        24119 - وهو قول الشعبي .

                                                                                                                        24120 - وقال الشافعي ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل : لا يجوز إلا بشهادة رجلين .

                                                                                                                        24121 - وهو قول النخعي .

                                                                                                                        [ ص: 217 ] 24122 - ولا مدخل عندهم لشهادة النساء في النكاح والطلاق . كما لا مدخل لها عند الجميع في الحدود ، وإنما تجوز في الأموال .

                                                                                                                        24123 - وأما مالك ، فحكم شهادة النساء عنده أنها لا تجوز في النكاح ، والطلاق ، ولا في غير الأموال ، إلا أنه جائز عنده عقد النكاح بغير بينة إذا أعلنوه ، ويشهدون بعد ، متى شاءوا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية