الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقعة مرج عكا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم برزت الفرنج في نحو من ألفي فارس وثلاثين ألف راجل في العشر الأخر من شعبان ، فبرز إليهم السلطان فيمن معه من السادة الشجعان ، فاقتتلوا بمرج عكا قتالا عظيما ، وهزم جماعة من المسلمين في أول النهار ، ثم كانت الكرة على الفرنج في آخره والعاقبة للمتقين فقتل من المسلمين قريب المائتين ، وأما الفرنج فكانت القتلى منهم أزيد من سبعة آلاف قتيل ، ولما تمت هذه الوقعة تحول السلطان من مكانه الأول إلى موضع بعيد من رائحة القتلى ، خوفا من الوخم والأذى ; ليستريح الخيالة والخيل ، ولم يعلم أن ذلك كان من أكبر المصالح للعدو المخذول ، فإنهم اغتنموا هذه الفترة ، فحفروا حول مخيمهم خندقا لجميع جيشهم من البحر إلى البحر محدقا ، واتخذوا من ترابه سورا شاهقا ، وجعلوا له أبوابا يخرجون منها إذا أرادوا ، وتمكنوا في منزلهم ذلك الذي له اختاروا وارتادوا ، وتفارط الأمر ، وقوي الخطب ، وصار الداء عضالا ، وازداد الحال وبالا ، وكان رأي السلطان أن يناجزوا بعد الكرة سريعا ، [ ص: 609 ] ولا يتركوا حتى يطيب ريح البحر فتأتيهم الأمداد من كل صوب هريعا ، فاعتذر الأمراء بالملال والضجر ، وكل لأمر الفرنج قد احتقر ، ولم يدر ما قد حتم في القدر ، فأرسل السلطان إلى جميع الملوك يستنفر ويستنصر ، وكتب إلى الخليفة بالبث ، وبث الكتب بالتحضيض والحث ، فجاءته الأمداد جماعات وآحادا ، وأرسل إلى مصر يطلب أخاه العادل ، فقدم عليه ، ويستعجل الأسطول ، فوصل إليه في خمسين قطعة في البحر مع الأمير حسام الدين لؤلؤ ، فحين وصل الأسطول حادت مراكب الفرنج يمنة ويسرة ، وخافت كلها منه ، واتصلت بالبلد الميرة والعدد والعدد وانشرحت الصدور بعد الضيق والكمد ، وانسلخت هذه السنة والحال على ما هو عليه ، ولا ملجأ من الله إلا إليه . والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية