الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولقد آتينا لقمان الحكمة .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتدرون ما كان لقمان؟» . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : «كان حبشيا» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في "الزهد"، وابن أبي الدنيا في كتاب "المملوكين"، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : كان لقمان عبدا حبشيا نجارا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير قال : قلت لجابر بن عبد الله : ما انتهى إليكم من شأن لقمان؟ قال : كان قصيرا، أفطس، من النوبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وابن حبان في "الضعفاء"، وابن عساكر ، عن ابن [ ص: 625 ] عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اتخذوا السودان، فإن ثلاثة منهم سادات أهل الجنة؛ لقمان الحكيم، والنجاشي، وبلال المؤذن» . قال الطبراني : أراد الحبشة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سادات السودان أربعة : لقمان الحبشي، والنجاشي، وبلال، ومهجع » .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن المسيب ، أن لقمان كان أسود، من سودان مصر، ذا مشافر، أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن حرملة قال : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله، فقال له سعيد : لا تحزن من أجل أنك أسود؛ فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان : بلال، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، ولقمان الحكيم، كان أسود نوبيا ذا مشافر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : كان لقمان عبدا أسود .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 626 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في "الزهد"، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : كان لقمان عبدا حبشيا، غليظ الشفتين، مصفح القدمين، قاضيا لبني إسرائيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في "الزهد"، وابن المنذر ، عن سعيد بن المسيب ، أن لقمان كان خياطا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : كان لقمان من أهون مملوكيه على سيده، وأول ما رئي من حكمته، أنه بينما هو مع مولاه إذ دخل المخرج فأطال فيه الجلوس، فناداه لقمان : إن طول الجلوس على الحاجة ينجع منه الكبد، ويكون منه الباسور، ويصعد الحر إلى الرأس، فاجلس هوينا واخرج . فخرج فكتب حكمته على باب الحش . قال : وسكر مولاه، فخاطر قوما على أن يشرب ماء بحيرة، فلما أفاق عرف ما وقع منه، فدعا لقمان، فقال : لمثل هذا كنت أخبئوك، فقال : اجمعهم . فلما اجتمعوا قال : على أي شيء خاطرتموه؟ قالوا : على أن يشرب ماء هذه البحيرة . قال : فإن لها مواد فاحبسوا موادها عنها . [ ص: 627 ] قالوا : وكيف نستطيع أن نحبس موادها؟ قال : وكيف يستطيع أن يشربها ولها مواد؟

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ولقد آتينا لقمان الحكمة قال : يعني العقل والفهم والفطنة، في غير نبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، عن أبي مسلم الخولاني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لقمان كان عبدا كثير التفكر، حسن الظن، كثير الصمت، أحب الله فأحبه الله تعالى، فمن عليه بالحكمة، نودي بالخلافة قبل داود عليه السلام، فقيل له : يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحق؟ قال لقمان : إن أجبرني ربي عز وجل قبلت، فإني أعلم أنه إن فعل ذلك أعانني وعلمني وعصمني، وإن خيرني ربي قبلت العافية، ولم أسأل البلاء . فقالت الملائكة : يا لقمان، لم؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كل مكان، فيخذل أو يعان، فإن أصاب فبالحرى أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكون في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا ضائعا، ومن يختار الدنيا على الآخرة فاتته الدنيا، ولا يصير إلى ملك الآخرة . فعجبت الملائكة من حسن [ ص: 628 ] منطقه، فنام نومة فغط بالحكمة غطا، فانتبه فتكلم بها، ثم نودي داود عليه السلام بعده بالخلافة فقبلها ولم يشترط شرط لقمان، فأهوى في الخطيئة، فصفح عنه وتجاوز، وكان لقمان يؤازره بعلمه وحكمته، فقال داود عليه السلام : طوبى لك يا لقمان، أوتيت الحكمة فصرفت عنك البلية، وأوتي داود الخلافة فابتلي بالذنب والفتنة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وأحمد في "الزهد"، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : ولقد آتينا لقمان الحكمة قال : العقل والفقه والإصابة في القول، في غير نبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : ولقد آتينا لقمان الحكمة قال : الفقه في الإسلام، ولم يكن نبيا ولم يوح إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : خير الله تعالى لقمان بين الحكمة والنبوة، فاختار الحكمة على النبوة، فأتاه جبريل وهو نائم، فذر عليه الحكمة، فأصبح ينطق بها، فقيل له : كيف اخترت الحكمة على النبوة، وقد خيرك ربك؟ فقال : إنه لو أرسل إلي بالنبوة عزمة لرجوت فيها الفوز منه، ولكنت [ ص: 629 ] أرجو أن أقوم بها، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة، فكانت الحكمة أحب إلي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه ، أنه سئل : أكان لقمان نبيا؟ قال : لا، لم يوح إليه، وكان رجلا صالحا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : كان لقمان نبيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ليث قال : كانت حكمة لقمان نبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : كان لقمان رجلا صالحا ولم يكن نبيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، والرامهرمزي في "الأمثال"، بسند ضعيف، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لقمان قال لابنه : يا بني، عليك بمجالس العلماء، واستمع كلام الحكماء، فإن الله يحيي القلب الميت بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر» .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 630 ] وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي الدرداء، أنه ذكر لقمان الحكيم، فقال : ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال ولا حسب ولا خصال، ولكنه كان رجلا صمصامة، سكيتا، طويل التفكر، عميق النظر، لم ينم نهارا قط، ولم يره أحد يبزق ولا يتنخم، ولا يبول ولا يتغوط، ولا يغتسل، ولا يعبث، ولا يضحك، وكان لا يعيد منطقا نطقه، إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه، وكان قد تزوج وولد له أولاد، فماتوا فلم يبك عليهم، وكان يغشى السلطان، ويأتي الحكماء؛ لينظر ويتفكر ويعتبر، فبذلك أوتي ما أوتي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "الصمت"، وابن جرير ، عن عمرو بن قيس قال : مر رجل بلقمان والناس عنده فقال : ألست عبد بني فلان؟ قال : بلى . قال : ألست الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا؟ قال : بلى . قال : فما الذي بلغ بك ما أرى؟ قال : تقوى الله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السكوت عما لا يعنيني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في "الزهد" عن محمد بن جحادة، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 631 ] وأخرج أحمد ، والحكيم الترمذي ، والحاكم في "الكنى"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن لقمان الحكيم كان يقول : إن الله إذا استودع شيئا حفظه» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في "نعت الخائفين" عن الفضل الرقاشي قال : ما زال لقمان يعظ ابنه حتى انشقت مرارته فمات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، وابن أبي حفص عن حفص بن عمر الكندي قال : وضع لقمان جرابا من خردل إلى جنبه، وجعل يعظ ابنه موعظة ويخرج خردلة، فنفذ الخردل، فقال : يا بني، لقد وعظتك موعظة لو وعظتها جبلا لتفطر . فتفطر ابنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم ، عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني، إياك والتقنع؛ فإنها مخوفة بالليل، مذلة بالنهار» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج العسكري في "الأمثال"، والحاكم ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن أنس، أن لقمان كان عند داود وهو يسرد الدرع، فجعل يفتله هكذا بيده، فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله، وتمنعه حكمته أن يسأله، [ ص: 632 ] فلما فرغ منها صبها على نفسه وقال : نعم درع الحرب هذه . فقال لقمان : الصمت من الحكمة، وقليل فاعله، كنت أردت أن أسألك فسكت حتى كفيتني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن عون بن عبد الله قال : قال لقمان لابنه : يا بني، ارج الله رجاء لا تأمن فيه مكره، وخف الله مخافة لا تيأس بها من رحمته . فقال : يا أبتاه، وكيف أستطيع ذلك وإنما لي قلب واحد؟ قال : المؤمن كذا له قلبان؛ قلب يرجو به، وقلب يخاف به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن سليمان التيمي قال : قال لقمان لابنه : يا بني، أكثر من قول : رب اغفر لي، فإن لله ساعة لا يرد فيها سائل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي ، والصابوني في "المائتين"، عن عمران بن سليم قال : بلغني أن لقمان قال لابنه : يا بني، حملت الحجارة والحديد والحمل الثقيل، فلم أجد شيئا أثقل من جار السوء، يا بني، إني قد ذقت المر كله، فلم أذق شيئا قط أمر من الفقر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 633 ] وأخرج ابن أبي الدنيا في "اليقين"، عن الحسن قال : قال لقمان لابنه : يا بني، إن العمل لا يستطاع إلا باليقين، ومن يضعف يقينه يضعف عمله، يا بني، إذا جاءك الشيطان من قبل الشك والريبة فاغلبه باليقين والنصيحة، وإذا جاءك من قبل الكسل والسآمة فاغلبه بذكر القبر والقيامة، وإذا جاءك من قبل الرغبة والرهبة فأخبره أن الدنيا مفارقة ومتروكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "التقوى"، عن وهب قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني، اتخذ تقوى الله تجارة يأتك الربح من غير بضاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في "الرضا" عن سعيد بن المسيب قال : قال لقمان لابنه : يا بني، لا ينزلن بك أمر رضيته أو كرهته إلا جعلت في الضمير منك أن ذلك خير لك . قال : أما هذه فلا أقدر أعطيكها دون أن أعلم ما قلت كما قلت . قال : يا بني، فإن الله قد بعث نبيا، هلم حتى تأتيه نصدقه . قال : أذهب يا أبت . فخرج على حمار وابنه على حمار وتزودا، ثم سارا أياما وليالي حتى تلقتهما مفازة، فأخذا أهبتهما لها فدخلاها، فسارا ما شاء الله حتى ظهرا وقد تعالى النهار، واشتد الحر، ونفد الماء والزاد، واستبطآ حماريهما، فنزلا فجعلا يشتدان على سوقهما، فبينما هما كذلك إذ نظر لقمان أمامه، فإذا هو بسواد ودخان، فقال في نفسه : السواد الشجر، [ ص: 634 ] والدخان العمران والناس . فبينما هما كذلك يشتدان، إذ وطئ ابن لقمان على عظم ناتئ على الطريق، فخر مغشيا عليه، فوثب إليه لقمان فضمه إلى صدره، واستخرج العظم بأسنانه، ثم نظر إليه فذرفت عيناه، فقال : يا أبت، أنت تبكي وأنت تقول : هذا خير لي . كيف يكون هذا خيرا لي وقد نفد الطعام والماء، وبقيت أنا وأنت في هذا المكان؟ فإن ذهبت وتركتني على حالي ذهبت بهم وغم ما بقيت، وإن أقمت معي متنا جميعا؟ فقال : يا بني، أما بكائي فرقة الوالدين، وأما ما قلت : كيف يكون هذا خيرا لي؟ فلعل ما صرف عنك أعظم مما ابتليت به، ولعل ما ابتليت به أيسر مما صرف عنك . ثم نظر لقمان أمامه فلم ير ذلك الدخان والسواد، وإذا بشخص أقبل على فرس أبلق، عليه ثياب بيض، وعمامة بيضاء، يمسح الهواء مسحا، فلم يزل يرمقه بعينه حتى كان منه قريبا، فتوارى عنه، ثم صاح به : أنت لقمان؟ قال : نعم . قال : أنت الحكيم؟ قال : كذلك يقال . قال : ما قال لك ابنك؟ قال : يا عبد الله، من أنت؟ أسمع كلامك ولا أرى وجهك . قال : أنا جبريل، أمرني ربي بخسف هذه المدينة ومن فيها، فأخبرت أنكما تريدانها، فدعوت ربي أن [ ص: 635 ] يحبسكما عني بما شاء، فحبسكما بما ابتلي به ابنك، ولولا ذلك لخسفت بكما مع من خسفت . ثم مسح جبريل يده على قدم الغلام، فاستوى قائما، ومسح يده على الذي كان فيه الطعام فامتلأ طعاما، وعلى الذين كان فيه الماء فامتلأ ماء، ثم حملهما وحماريهما، فزجل بهما كما يزجل الطير، فإذا هما في الدار الذي خرجا بعد أيام وليالي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن رباح اللخمي، أنه لما وعظ لقمان ابنه قال : إنها إن تك الآية . أخذ حبة من خردل، فأتى بها إلى اليرموك فألقاها في عرضه، ثم مكث ما شاء الله، ثم ذكرها وبسط يده، فأقبل بها ذباب حتى وضعها في راحته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان"، عن مالك قال : بلغني أن لقمان قال لابنه : ليس غنى كصحة، ولا نعيم كطيب نفس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن وهب بن منبه قال : قال لقمان لابنه : من كذب ذهب ماء وجهه، ومن ساء خلقه كثر غمه، ونقل الصخور من [ ص: 636 ] مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في "الزهد"، والبيهقي ، عن الحسن ، أن لقمان قال لابنه : يا بني، حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل، فلم أحمل شيئا هو أثقل من جار السوء، وذقت المر فلم أذق شيئا هو أمر من الفقر، يا بني، لا ترسل رسولك جاهلا، فإن لم تجد حكيما، فكن رسول نفسك، يا بني، إياك والكذب، فإنه شهي كلحم العصفور، عما قليل يقلي صاحبه، يا بني، احضر الجنائز ولا تحضر العرس؛ فإن الجنائز تذكرك الآخرة، والعرس تشهيك الدنيا، يا بني، لا تأكل شبعا على شبع؛ فإنك أن تلقيه للكلب خير من أن تأكله، يا بني، لا تكن حلوا فتبلع، ولا مرا فتلفظ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن الحسن أن لقمان قال لابنه : يا بني، لا تكونن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار وأنت نائم على فراشك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله في "زوائده"، والبيهقي ، عن عثمان بن زائدة، قال : قال لقمان لابنه : يا بني، لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 637 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبيهقي ، عن سيار أبي الحكم قال : قيل للقمان : ما حكمتك؟ قال : لا أسأل عما قد كفيت، ولا أتكلف ما لا يعنيني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في "الزهد"، عن أبي عثمان الجعد، رجل من أهل البصرة قال : قال لقمان لابنه : يا بني، لا ترغب في ود الجاهل، فيرى أنك ترضى عمله، ولا تهاون بمقت الحكيم فيزهد فيك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" عن عكرمة ، أن لقمان قال : لا تنكح أمة غيرك فتورث بنيك حزنا طويلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في "الزهد"، عن محمد بن واسع قال : كان لقمان يقول لابنه : يا بني، اتق الله، ولا تري الناس أنك تخشى الله ليكرموك بذلك وقلبك فاجر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن جرير ، عن خالد الربعي قال : كان لقمان عبدا حبشيا نجارا، فقال له سيده : اذبح لي شاة . فذبح له شاة، فقال له : [ ص: 638 ] ائتني بأطيب مضغتين فيها . فأتاه باللسان والقلب، فقال : أما كان شيء أطيب من هذين؟ قال : لا، فسكت عنه ما سكت، ثم قال له : اذبح لي شاة . فذبح له شاة، فقال له : ألق أخبثها مضغتين . فرمى باللسان والقلب، فقال : أمرتك أن تأتيني بأطيبها مضغتين، فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين، فألقيت اللسان والقلب . فقال : إنه ليس شيء بأطيب منهما إذا طابا، ولا بأخبث منهما إذا خبثا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله في "زوائده"، عن عبد الله بن زيد قال : قال لقمان : ألا إن يد الله على أفواه الحكماء، لا يتكلم أحدهم إلا ما هيأ الله له .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله عن سفيان قال : قال لقمان لابنه : يا بني، ما ندمت على الصمت قط، وإن كان الكلام من فضة كان السكوت من ذهب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن قتادة ، أن لقمان قال لابنه : يا بني، اعتزل الشر كيما يعتزلك؛ فإن الشر للشر خلق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال : مكتوب في الحكمة - يعني حكمة لقمان- يا بني، إياك والرغب؛ فإن الرغب كل الرغب [ ص: 639 ] يبعد القرب من القرب، ويزيل الحلم مثل الطرب، يا بني، إياك وشدة الغضب؛ فإن شدة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد، عن عبيد بن عمير قال : قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني، اختر المجالس على عينك، فإذا رأيت المجلس يذكر الله عز وجل فيه فاجلس معهم، فإنك إن تك عالما ينفعك علمك، وإن تك عييا يعلموك، وإن يطلع الله عز وجل إليهم برحمة تصبك معهم، يا بني، لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر فيه الله، فإنك إن تك عالما لا ينفعك علمك، وإن تك عييا يزيدوك عيا، وإن يطلع الله عليهم بعد ذلك بسخط يصبك معهم، يا بني، لا يغيظنك امرؤ رحب الذراعين يسفك دماء [ ص: 640 ] المؤمنين، فإن له عند الله قاتلا لا يموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله في "زوائده"، عن أبي سعيد قال : قال لقمان لابنه : يا بني، لا يأكل طعامك إلا الأتقياء، وشاور في أمرك العلماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن هشام بن عروة، عن أبيه قال : مكتوب في الحكمة - يعني حكمة لقمان - لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسيطا، تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء . وقال : مكتوب في الحكمة أو في التوراة : الرفق رأس الحكمة . وقال : مكتوب في التوراة : كما ترحمون ترحمون . وقال : مكتوب في الحكمة : كما تزرعون تحصدون . وقال : مكتوب في الحكمة : أحب خليلك وخليل أبيك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن أبي قلابة قال : قيل للقمان : أي الناس أصبر؟ قال : صبر لا معه أذى . قيل : فأي الناس أعلم؟ قال : من ازداد من علم الناس إلى علمه . قيل : فأي الناس خير؟ قال : الغني . قيل : الغني من المال؟ قال : لا، ولكن الغني إذا التمس عنده خير وجد، وإلا أغنى نفسه عن الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 641 ] وأخرج أحمد عن سفيان قال : قيل للقمان : أي الناس شر؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : وجدت في بعض الحكمة : يبرد الله عظام الذين يتكلمون بأهواء الناس . ووجدت في الحكمة : لا خير لك في أن تتعلم ما لم تعلم ولما تعمل بما قد علمت . فإن مثل ذلك مثل رجل احتطب حطبا فحمل حزمة، فذهب يحملها، فعجز عنها، فضم إليها أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن محمد بن جحادة قال : قال لقمان : يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حكيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن سفيان، عمن أخبره أن لقمان قال لابنه : أي بني، إن الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها ناس كثير، فاجعل سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان بالله، وشراعها التوكل على الله، لعلك أن تنجو، ولا أراك [ ص: 642 ] ناجيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله في "زوائده"، عن عون بن عبد الله قال : قال لقمان لابنه : يا بني، إني حملت الجندل والحديد فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء، وذقت المرارة كلها فلم أذق أشد من الفقر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن شرحبيل بن مسلم، أن لقمان قال : أقصر عن اللجاجة، ولا أنطق فيما لا يعنيني، ولا أكون مضحاكا من غير عجب، ولا مشاء إلى غير أرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن أبي الجلد قال : قرأت في الحكمة : من كان له من نفسه واعظ كان له من الله حافظ، ومن أنصف الناس من نفسه زاده الله بذلك عزا، والذل في طاعة الله أقرب من التعزز بالمعصية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن عبد الله بن دينار، أن لقمان قال لابنه : يا بني، أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له بك، ولا بد لك منه . يا بني، كن كمن لا يبتغي محمدة الناس، ولا يكسب ذمهم، فنفسه منه في عناء، والناس منه في راحة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 643 ] وأخرج أحمد ، عن السري بن يحيى قال : قال لقمان لابنه : أي بني، إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن معاوية بن قرة قال : قال لقمان لابنه : يا بني، جالس الصالحين من عباد الله؛ فإنك تصيب بمجالستهم خيرا، ولعله أن يكون آخر ذلك تنزل عليهم الرحمة فتصيبك معهم . يا بني، لا تجالس الأشرار، فإنك لا يصيبك من مجالستهم خير، ولعله أن يكون في آخر ذلك أن تنزل عليهم عقوبة فتصيبك معهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن ابن أبي نجيح قال : قال لقمان : الصمت حكم، وقليل فاعله . فقال طاوس : أي أبا نجيح، من قال واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن عون قال : قال لقمان لابنه : يا بني، إذا انتهيت إلى نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام، ثم اجلس في ناحيتهم، فإن أفاضوا في ذكر الله فاجلس معهم، وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 644 ] وأخرج عبد الله في "زوائده"، عن عبد الله بن دينار : إن لقمان قدم من سفر فلقي غلامه في الطريق فقال : ما فعل أبي؟ قال : مات . قال : الحمد لله ملكت أمري . قال : ما فعلت أمي؟ قال : ماتت . قال : ذهب همي . قال : ما فعلت امرأتي؟ قال : ماتت . قال : جدد فراشي . قال : ما فعلت أختي؟ قال : ماتت . قال : سترت عورتي . قال : ما فعل أخي؟ قال : مات . قال : انقطع ظهري .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله في "زوائده"، عن عبد الوهاب بن بخت المكي قال : قال لقمان لابنه : يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإن الله ليحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله عن قيس قال : قال لقمان لابنه : يا بني، امتنع مما يخرج من فيك . فإنك ما سكت سالم، وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن محمد بن واسع قال : قال لقمان لابنه : يا بني، لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعمل بما تعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن بكر المزني قال : قال لقمان : ضرب الوالد لولده [ ص: 645 ] كالماء للزرع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج القالي في "أماليه" عن العتبي قال : بلغني أن لقمان الحكيم كان يقول : ثلاثة لا يعرفون إلا ثلاثة مواطن؛ الحليم عند الغضب، والشجاع عند الحرب، وأخوك عند حاجتك إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج وكيع في "الغرر" عن الحنظلي قال : قال لقمان لابنه : يا بني، إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه قبل ذلك، فإن أنصفك عند غضبه، وإلا فاحذره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني عن مالك بن أنس قال : بلغني أن لقمان قال لابنه : يا بني، إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة، فدار أنت إليها تسير أقرب من دار أنت عنها تباعد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المبارك عن ابن أبي مليكة، أن لقمان كان يقول : اللهم لا تجعل أصحابي الغافلين؛ إذا ذكرتك لم يعينوني، وإذا نسيتك لم يذكروني، وإذا أمرت لم يطيعوني، وإن صمت أحزنوني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي ، عن معتمر، عن أبيه، أن لقمان قال لابنه : يا [ ص: 646 ] بني، عود لسانك أن يقول : اللهم اغفر لي . فإن لله ساعات لا ترد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخطيب عن الحسن قال : قال لقمان لابنه : يا بني، إياك والدين؛ فإنه ذل النهار وهم الليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن وهب بن منبه قال : قال لقمان لابنه : يا بني، ارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته، وخف الله خوفا لا يؤيسك من رحمته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن عبد العزيز قال : قال لقمان : إذا جاءك الرجل وقد سقطت عيناه فلا تقض له حتى يأتي خصمه . قال : يقول : لعله أن يأتي وقد نزع أربعة أعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد" عن الحسن قال : قال الله عز وجل : يا ابن آدم، خلقتك وتعبد غيري، وتدعو إلي وتفر مني، وتذكر بي وتنساني، هذا أظلم ظلم في الأرض . ثم يتلو الحسن : إن الشرك لظلم عظيم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 647 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية