الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها [ ص: 4558 ] لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا

                                                          التقى موسى بالخضر - عليهما السلام -؛ وجاء في البخاري : عند لقاء موسى وصحبه بالخضر وجدا الخضر على طنفسة خضراء على كبد البحر؛ مسجى بثوبه؛ قد جعل طرفه تحت رجليه؛ وطرفه تحت رأسه؛ فسلم عليه موسى؛ فكشف عن وجهه؛ وقال: "هل بأرضك من سلام؟! من أنت؟ "؛ فقال: "أنا موسى "؛ قال: "موسى بني إسرائيل؟ "; قال: "نعم "؛ قال: "فما شأنك؟ "؛ قال: "جئت لتعلمني مما علمت رشدا ".

                                                          وقال الثعلبي - في كتاب "العرائس " -: إنه قال عند رد السلام: "وأنى بأرضنا السلام؟! "؛ ثم رفع رأسه واستوى قائما؛ ثم قال: "وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل "؛ فقال موسى - عليه السلام -: "وما أدراك بي؟ ومن أخبرك أني من بني إسرائيل؟ "؛ قال: "الذي أدراك بي؛ ودلك علي "؛ ثم قال: "يا موسى؛ لقد كان لك في بني إسرائيل شغل "؛ قال موسى: "إن ربي أرسلني إليك لأتبعك؛ وأتعلم من علمك ".

                                                          هذا هو اللقاء؛ بين علم النبوة؛ وعلم القدر؛ الذي آتاه الله بعض أسباب عمله - سبحانه -؛ وهو الحكيم؛ وقد اعتمدنا في خبر اللقاء على المروي؛ لأنه لا تزيد فيه؛ ولأنه متلاق مع النص القرآني؛ أشار إليه؛ ونبه عليه.

                                                          الفاء في قوله (تعالى): "فوجدا عبدا من عبادنا "؛ هي فاء العطف؛ التي للتعقيب والترتيب؛ أي أنه عقب الوصول إلى الصخرة؛ وجدا عبدا من عبادنا؛ وجعل - سبحانه - اللقاء مع موسى وغلامه؛ لتسوية الصحبة؛ وإعطاء الغلام حقه من [ ص: 4559 ] الكرامة؛ ووصف الله العبد الصالح؛ قال: آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما "الرحمة ": النعمة؛ والرحمة بالناس؛ إذ يفعل ما يكون فيه صالحهم قابلا؛ وإن لم يعلموه عاجلا؛ والعلم الذي من لدن الله (تعالى): العلم بعواقب الأمور؛ بالإدراك الباطني؛ وقد وازن بعض المفسرين بين علم موسى؛ وعلم العبد الصالح؛ الخضر؛ فقال: علم الخضر علم معرفة بواطن؛ قد أوحيت إليه؛ لا تعطي ظواهر الأحكام أفعاله بحسبها؛ وكان علم موسى علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم.

                                                          والحق أنه يضاف إلى ذلك أن علم الخضر علم الأسباب في بواعثها؛ وعلم موسى علم الأسباب في واقعها؛ كما سنرى ذلك في المجاوبة التي كانت بينهما.

                                                          طلب موسى - عليه السلام - منه أن يأذن له باتباعه؛ فقال:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية