الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 431 ] ( أيحسب أن لم يره أحد ( 7 ) ألم نجعل له عينين ( 8 ) ولسانا وشفتين ( 9 ) وهديناه النجدين ( 10 ) فلا اقتحم العقبة ( 11 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( أيحسب أن لم يره أحد ) قال سعيد بن جبير [ وقتادة : أيظن ] أن الله لم يره ، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه ، وأين أنفقه ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكلبي : إنه كان كاذبا في قوله أنفقت كذا وكذا ، ولم يكن أنفق جميع ما قال ، يقول أيظن أن الله - عز وجل - لم ير ذلك منه فيعلم مقدار نفقته ، ثم ذكره نعمه ليعتبر ، فقال : ( ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين ) قال قتادة : نعم الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر ، وجاء في الحديث : أن الله - عز وجل - يقول : ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق ، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك ، فقد أعنتك عليه بطبقتين ، فأطبق ، وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق . ( ( وهديناه النجدين ) قال أكثر المفسرين : طريق الخير والشر ، والحق والباطل ، والهدى والضلالة ، كقوله : " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " وقال محمد بن كعب عن ابن عباس : " وهديناه النجدين " قال : الثديين ، وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك ، والنجد : طريق في ارتفاع . ( فلا اقتحم العقبة ) يقول : فهلا أنفق ماله فيما يجوز به من فك الرقاب وإطعام السغبان ، فيكون خيرا له من إنفاقه على عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، هذا قول ابن زيد وجماعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : " فلا اقتحم العقبة " أي لم يقتحمها ولا جاوزها . والاقتحام : الدخول في الأمر الشديد ، وذكر العقبة هاهنا مثل ضربه الله لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر ، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة ، يقول : لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة ولا طعام ، وهذا معنى قول قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إنه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة ، فإذا أعتق رقبة وأطعم كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن ابن عمر : أن هذه العقبة جبل في جهنم . [ ص: 432 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن وقتادة : عقبة شديدة في النار دون الجسر ، فاقتحموها بطاعة الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد ، والضحاك ، والكلبي : هي صراط يضرب على جهنم كحد السيف ، مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلا وصعودا وهبوطا ، وإن بجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنها شوك السعدان ، فناج مسلم ، وناج مخدوش ، ومكردس في النار منكوس ، فمن الناس من يمر كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمر كالريح العاصف ، ومنهم من يمر كالفارس ، ومنهم من يمر عليه كالرجل يعدو ، ومنهم من يمر كالرجل يسير ، ومنهم من يزحف زحفا ، ومنهم الزالون ، ومنهم من يكردس في النار .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن زيد : يقول فهلا سلك الطريق التي فيها النجاة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية