الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      [ ص: 840 ] [ صحائف الأعمال تؤخذ باليمين والشمال ]


      ونشرت صحائف الأعمال تؤخذ باليمين والشمال     طوبى لمن يأخذ باليمين
      كتابه بشرى بحور عين     والويل للآخذ بالشمال
      وراء ظهر للجحيم صالي



      ( ونشرت صحائف ) كتب ( الأعمال ) من حسنات وسيئات ، قال الله تعالى : ( وإذا الصحف نشرت ) . ( التكوير : 10 ) ( تؤخذ باليمين ) للمؤمن ( والشمال ) للكافر ( طوبى ) أطيب شيء واسم شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ( لمن يأخذ باليمين كتابه بشرى ) أعظم بشارة ( بحور ) جمع حوراء صفة لهن من حور العين وهو شدة سواد العينين في شدة بياضهما ( عين ) عين الأعين ( والويل ) كلمة عذاب وواد في جهنم ( للآخذ بالشمال ) كتابه ( وراء ظهر للجحيم صالي ) اسم فاعل من صلى يصلى غمر فيها ، وقد ذكر الله تعالى تطاير الصحف ونشرها ، وتناولها في غير موضع من كتابه مع بيان منازل أهلها كما قال تعالى : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ( الإسراء : 14 ) وقال تعالى : ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ( الإسراء : 71 ) وقال تعالى : ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون ) [ ص: 841 ] ( الحاقة : 18 - 37 ) .

      وقال تعالى : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا ) ( الانشقاق : 6 - 15 ) وقال تعالى : ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) ( الجاثية : 29 ) قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) ( الإسراء : 13 ) : طائره هو ما طار عنه من عمله من خير وشر ويلزم به ويجازى عليه . ( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ) ( الإسراء : 13 ) قال معمر : وتلا الحسن البصري ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ( ق : 17 ) يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ووكل به ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا ( اقرأ كتابك ) الآية . فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك .

      وروى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) ( الإسراء : 71 ) قال : يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤة يتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم آتنا بهذا وبارك لنا في هذا . فيأتيهم فيقول لهم : أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا . وأما الكافر فيسود وجهه ويمد له في جسمه ويراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من هذا أو من شر هذا ، اللهم لا تأتنا به . فيأتيهم فيقولون : اللهم أخزه ، فيقول : أبعدكم الله ، فإن [ ص: 842 ] لكل رجل منكم مثل هذا " حديث غريب حسنه الترمذي .

      وفي السنن عن عائشة رضي الله عنها ذكرت النار فبكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك ؟ قالت : ذكرت النار فكبيت ، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا : عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أو يثقل ، وعند الكتاب حين يقول ( هاؤم اقرءوا كتابيه ) ( الحاقة : 19 ) حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أو في شماله أم من وراء ظهره ، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم " .

      وروى ابن أبي حاتم عن أبي عثمان قال : المؤمن يعطى كتابه بيمينه في ستر من الله فيقرأ سيئاته ، فكلما قرأ سيئاته تغير لونه حتى يمر بحسناته فيقرؤها فيرجع إليه لونه ، ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات . قال فعند ذلك يقول : هاؤم اقرءوا كتابيه " .

      وله عن عبد الله بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال : إن الله يوقف عبده يوم القيامة فيبدي - أي يظهر - سيئاته في ظهر صحيفته فيقول له : أنت عملت هذا ؟ فيقول نعم أي رب ، فيقول له : إني لم أفضحك به وإني قد غفرت لك . فيقول عند ذلك : ( هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ) [ ص: 843 ] ( الحاقة : 19 ) حين نجا من فضيحته يوم القيامة . وقد تقدم حديث ابن عمر الصحيح في النجوى وفيه في المؤمن : " ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه ، وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين " .

      وعن ابن السائب في قوله تعالى : ( وأما من أوتي كتابه بشماله ) ( الحاقة : 25 ) قال ابن السائب : تلوى يده اليسرى خلف ظهره ثم يعطى كتابه . وقيل تنزع يده اليسرى من صدره إلى خلف ظهره ثم يعطى كتابه . وقال مجاهد : تخلع يده اليسرى من وراء ظهره . وقال البغوي في قوله تعالى : ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ) ( الانشقاق : 10 ) قال : فتغل يده اليمنى إلى عنقه وتجعل يده الشمال وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية