الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 212 ] فصل

وأما طوافه بالبيت عند قدومه ، فاختلف فيه ، هل كان على قدميه ، أو كان راكبا ؟ .

ففي " صحيح مسلم " : عن عائشة - رضي الله عنها - ، قالت : طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره ، يستلم الركن كراهية أن يضرب عنه الناس .

وفي " سنن أبي داود " : عن ابن عباس ، قال : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة وهو يشتكي ، فطاف على راحلته ، كلما أتى على الركن استلمه بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين ، قال أبو الطفيل : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف حول البيت على بعيره يستلم الحجر بمحجنه ، ثم يقبله ، رواه مسلم دون ذكر البعير ، وهو عند البيهقي ، بإسناد مسلم بذكر البعير ، وهذا والله أعلم في طواف الإفاضة لا في طواف القدوم ، فإن جابرا حكى عنه الرمل في الثلاثة الأول وذلك لا يكون إلا مع المشي .

قال الشافعي - رحمه الله - : أما سبعه الذي طافه لمقدمه ، فعلى قدميه ؛ لأن جابرا حكى عنه فيه : أنه رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعة ، فلا يجوز أن يكون جابر يحكي عنه الطواف ماشيا وراكبا في سبع واحد ، وقد حفظ أن سبعه الذي ركب فيه في طوافه يوم النحر .

ثم ذكر الشافعي : عن ابن عيينة ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة ، وأفاض في نسائه ليلا على راحلته يستلم الركن بمحجنه ، أحسبه قال : فيقبل طرف المحجن .

[ ص: 213 ] قلت : هذا مع أنه مرسل ، فهو خلاف ما رواه جابر عنه في " الصحيح " أنه طاف طواف الإفاضة يوم النحر نهارا ، وكذلك روت عائشة وابن عمر ، كما سيأتي .

وقول ابن عباس : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة وهو يشتكي ، فطاف على راحلته ، كلما أتى الركن استلمه ، هذا إن كان محفوظا ، فهو في إحدى عمره ، وإلا فقد صح عنه الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم ، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي : إنه رمل على بعيره ، فإن من رمل على بعيره فقد رمل ، لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم. والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية