الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 114 ] القول في تأويل قوله ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ( 146 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإن ير هؤلاء الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق "وتكبرهم فيها بغير الحق" ، تجبرهم فيها ، واستكبارهم عن الإيمان بالله ورسوله ، والإذعان لأمره ونهيه ، وهم لله عبيد يغذوهم بنعمته ، ويريح عليهم رزقه بكرة وعشيا ، "كل آية" ، يقول : كل حجة لله على وحدانيته وربوبيته ، وكل دلالة على أنه لا تنبغي العبادة إلا له خالصة دون غيره . "لا يؤمنوا بها" ، يقول : لا يصدقوا بتلك الآية أنها دالة على ما هي فيه حجة ، ولكنهم يقولون : "هي سحر وكذب" " وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا " ، يقول : وإن ير هؤلاء الذين وصف صفتهم طريق الهدى والسداد الذي إن سلكوه نجوا من الهلكة والعطب ، وصاروا إلى نعيم الأبد ، لا يسلكوه ولا يتخذوه لأنفسهم طريقا ، جهلا منهم وحيرة " وإن يروا سبيل الغي " ، يقول : وإن يروا طريق الهلاك الذي إن سلكوه ضلوا وهلكوا .

وقد بينا معنى "الغي" فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته . [ ص: 115 ] " يتخذوه سبيلا " ، يقول : يسلكوه ويجعلوه لأنفسهم طريقا ، لصرف الله إياهم عن آياته ، وطبعه على قلوبهم ، فهم لا يفلحون ولا ينجحون " ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين " ، يقول تعالى ذكره : صرفناهم عن آياتنا أن يعقلوها ويفهموها فيعتبروا بها ويذكروا فينيبوا ، عقوبة منا لهم على تكذيبهم بآياتنا " وكانوا عنها غافلين " ، يقول : وكانوا عن آياتنا وأدلتنا الشاهدة على حقيقة ما أمرناهم به ونهيناهم عنه "غافلين" ، لا يتفكرون فيها ، لاهين عنها ، لا يعتبرون بها ، فحق عليهم حينئذ قول ربنا فعطبوا .

واختلف القرأة في قراءة قوله : "الرشد" .

فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض المكيين وبعض البصريين : ( الرشد ) ، بضم "الراء" وتسكين "الشين" .

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة وبعض المكيين : ( الرشد ) ، بفتح "الراء" و"الشين" .

ثم اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك إذا ضمت راؤه وسكنت شينه ، وفيه إذا فتحتا جميعا .

فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول : معناه إذا ضمت راؤه وسكنت شينه : الصلاح ، كما قال الله : ( فإن آنستم منهم رشدا ) ، [ سورة النساء : 6 ] ، بمعنى : صلاحا . وكذلك كان يقرأه هو ومعناه إذا فتحت راؤه وشينه : الرشد في الدين ، كما قال جل ثناؤه : ( تعلمن مما علمت رشدا ) [ سورة الكهف : 66 ] ، [ ص: 116 ] بمعنى الاستقامة والصواب في الدين .

وكان الكسائي يقول : هما لغتان بمعنى واحد ، مثل : "السقم" و"السقم" ، و"الحزن" و"الحزن" وكذلك "الرشد" و"الرشد" .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضة القراءة بهما في قرأة الأمصار ، متفقتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية