الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون

عطف على جملة إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون أي أعرضوا عن قولنا و ( تقطعوا ) وضمائر الغيبة عائدة إلى مفهوم من المقام وهم الذين من الشأن التحدث عنهم في القرآن المكي بمثل هذه المذام ، وهم المشركون . ومثل هذه الضمائر المراد منها المشركون كثير في القرآن ، ويجوز أن تكون الضمائر عائدة إلى أمم الرسل . فعلى الوجه الأول الذي قدمناه في ضمائر الخطاب في قوله تعالى إن هذه أمتكم أمة واحدة يكون الكلام انتقالا من الحكاية عن الرسل [ ص: 142 ] إلى الحكاية عن حال أممهم في حياتهم أو الذين جاءوا بعدهم مثل اليهود والنصارى إذ نقضوا وصايا أنبيائهم . وعلى الوجه الثاني تكون ضمائر الغيبة التفاتا . ثم يجوز أن تكون الواو عاطفة قصة على قصة لمناسبة واضحة كما عطف نظيرها بالفاء في سورة المؤمنين ، ويجوز كونها للحال ، أي أمرنا الرسل بملة الإسلام ، وهي الملة الواحدة ، فكان من ضلال المشركين أن تقطعوا أمرهم وخالفوا الرسل وعدلوا عن دين التوحيد وهو شريعة إبراهيم أصلهم . ويؤيد هذا الوجه أن نظير هذه الآية في سورة المؤمنين جاء فيه العطف بفاء التفريع .

والتقطع : مطاوع قطع ، أي تفرقوا . وأسند التقطع إليهم لأنهم جعلوا أنفسهم فرقا فعبدوا آلهة متعددة واتخذت كل قبيلة لنفسها إلها من الأصنام مع الله ، فشبه فعلهم ذلك بالتقطع .

وفي جمهرة الأنساب لابن حزم : كان الحصين بن عبيد الخزاعي ، وهو والد عمران بن حصين لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله : يا حصين ما تعبد ؟ قال : عشرة آلهة ، قال : ما هم وأين هم ؟ قال : تسعة في الأرض وواحد في السماء ، قال : فمن لحاجتك ؟ قال : الذي في السماء ، قال : فمن لطلبتك ؟ قال : الذي في السماء ، قال : فمن لكذا ؟ فمن لكذا ؟ كل ذلك يقول : الذي في السماء ، قال رسول الله : فألغ التسعة . وفي كتاب الدعوات من سنن الترمذي أنه قال : سبعة : ستة في الأرض وواحد في السماء .

والأمر : الحال . والمراد به الدين كما دل عليه قوله تعالى إن الذين فرقوا دينهم في سورة الأنعام . ولما ضمن ( تقطعوا ) معنى توزعوا عدي إلى ( دينهم ) فنصبه . والأصل : تقطعوا في دينهم وتوزعوه . [ ص: 143 ] وزيادة ( بينهم ) لإفادة أنهم تعاونوا وتظاهروا على تقطع أمرهم . فرب قبيلة اتخذت صنما لم تكن تعبده قبيلة أخرى ثم سولوا لجيرتهم وأحلافهم أن يعبدوه فألحقوه بآلهتهم . وهكذا حتى كان في الكعبة عدة أصنام وتماثيل لأن الكعبة مقصودة لجميع قبائل العرب . وقد روي أن عمرو بن لحي الملقب بخزاعة هو الذي نقل الأصنام إلى العرب .

وجملة كل إلينا راجعون مستأنفة استئنافا بيانيا لجواب سؤال يجيش في نفس سامع قوله تعالى وتقطعوا أمرهم وهو معرفة عاقبة هذا التقطع .

وتنوين ( كل ) عوض عن المضاف إليه ، أي كلهم ، أي أصحاب ضمائر الغيبة وهم المشركون . والكلام يفيد تعريضا بالتهديد . ودل على ذلك التفريع في قوله تعالى فمن يعمل من الصالحات إلى آخره .

التالي السابق


الخدمات العلمية