الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 117 ] القول في تأويل قوله ( واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين ( 148 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : واتخذ بنو إسرائيل قوم موسى ، من بعد ما فارقهم موسى ماضيا إلى ربه لمناجاته ، ووفاء للوعد الذي كان ربه وعده " من حليهم عجلا " ، وهو ولد البقرة ، فعبدوه . ثم بين تعالى ذكره ما ذلك العجل فقال : "جسدا له خوار" و"الخوار" : صوت البقر . يخبر جل ذكره عنهم أنهم ضلوا بما لا يضل بمثله أهل العقل . وذلك أن الرب جل جلاله الذي له ملك السماوات والأرض ، ومدبر ذلك ، لا يجوز أن يكون جسدا له خوار ، لا يكلم أحدا ولا يرشد إلى خير . وقال هؤلاء الذين قص الله قصصهم لذلك : "هذا إلهنا وإله موسى" ، فعكفوا عليه يعبدونه ، جهلا منهم ، وذهابا عن الله وضلالا .

وقد بينا سبب عبادتهم إياه ، وكيف كان اتخاذ من اتخذ منهم العجل ، فيما مضى بما أغنى عن إعادته .

وفي "الحلي" لغتان : ضم "الحاء" وهو الأصل وكسرها ، وكذلك ذلك في كل ما شاكله من مثل "صلي" و"جثي" و"عتي" ، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب ، لاستفاضة القراءة بهما في القرأة ، ولاتفاق معنييهما . [ ص: 118 ]

وقوله : " ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا " ، يقول : ألم ير الذين عكفوا على العجل الذي اتخذوه من حليهم يعبدونه ، أن العجل لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا؟ يقول : ولا يرشدهم إلى طريق؟ وليس ذلك من صفة ربهم الذي له العبادة حقا ، بل صفته أنه يكلم أنبياءه ورسله ، ويرشد خلقه إلى سبيل الخير ، وينهاهم عن سبيل المهالك والردى . يقول الله جل ثناؤه : "اتخذوه" ، أي : اتخذوا العجل إلها ، وكانوا باتخاذهم إياه ربا معبودا ظالمين لأنفسهم ، لعبادتهم غير من له العبادة ، وإضافتهم الألوهة إلى غير الذي له الألوهة .

وقد بينا معنى "الظلم" فيما مضى بما أغنى عن إعادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية