الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  [ ص: 214 ] إسلام عمرو بن عبسة السلمي - رضي الله عنه - ويكنى أبا نجيح .

                                                                  11 - حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي قال : ثنا يزيد بن عبد الله بن يزيد بن ميمون بن مهران قال : ثنا عكرمة بن عمار قال : حدثني شداد بن عبد الله الدمشقي قال : ثنا أبو أمامة الباهلي قال : قلت لعمرو بن عبسة : بأي شيء تدعى ربع الإسلام ؟ قال : إني كنت في الجاهلية أرى الناس على ضلالة ، لا أرى الأوثان شيئا ، ثم سمعت الرجال تخبر أخبارا بمكة وتحدث أحاديث ، فركبت راحلتي حتى قدمت مكة ، فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا ، وإذا قومه عليه جرآء ، فتلطفت له فدخلت عليه ، فقلت : ما أنت ؟ قال : " أنا نبي " ، قلت : وما نبي ؟ قال : " رسول الله " ، قلت : آلله أرسلك ؟ قال : " نعم " ، قلت : " بأي شيء أرسلت ؟ قال : " بتوحيد الله ، لا تشرك به شيئا ، وكسر الأوثان ، وصلة الرحم " ، قلت : فمن معك على هذا ؟ قال : " حر وعبد " وإذا معه أبو بكر بن أبي قحافة وعبد - بلال مولى أبي بكر - قلت : إني معك متبعك ، قال : " لا تستطيع ذلك يومك هذا ، ولكن ارجع إلى أهلك ، فإذا سمعت أني قد ظفرت فالحق بي " ، فرجعت إلى أهلي وقد أسلمت ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرا إلى المدينة ، فجعلت أتخبر الأخبار حتى جاء ركب من يثرب ، فقلت : ما فعل هذا الرجل المكي الذي أتاكم ؟ قالوا : أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك ، وحيل بينهم وبينه ، فركب الناس إليه سراعا .

                                                                  قال عمرو بن عبسة ، فركبت راحلتي حتى قدمت المدينة ، فدخلت عليه فقلت : يا رسول الله ، أتعرفني ؟ قال : " نعم ، ألست الذي أتيتني [ ص: 215 ] بمكة ؟ " قلت : بلى ، فعلمني ما علمك الله ، قال : " فإذا صليت الصبح فأقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت فلا تصل حتى ترتفع ؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ، فإذا ارتفعت قيد رمح فصل ، فإن الصلاة مشهودة لحضوره ، حتى يستقل الرمح بالظل ، ثم أقصر عن الصلاة ، فإنها حينئذ تسعر جهنم ، فإذا فاء الفيء فصل ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ، فإذا صليت العصر فأقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار " .

                                                                  قال : فقلت : يا نبي الله ، أخبرني عن الوضوء ، قال : " ما منكم رجل يقرب من وضوئه ثم يمضمض ويستنشق إلا خرجت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين يستنثر ، ثم يغسل وجهه كما أمره الله - عز وجل - إلا خرجت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ، ثم يغسل يديه إلى المرفقين كما أمره الله - عز وجل - إلا خرجت خطايا يديه من أطراف أنامله مع الماء ، ثم يمسح رأسه كما أمره الله - عز وجل - إلا خرجت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله - عز وجل - إلا خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء ، ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه بالذي هو له أهل ، ثم يركع ركعتين إلا انصرف من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه
                                                                  " .

                                                                  قال أبو أمامة : يا عمرو بن عبسة ، انظر ما تقول ، سمعت هذا كله من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ أيعطى الرجل هذا كله في مقامه ؟ فقال عمرو بن عبسة : يا أبا أمامة ، كبرت سني ، ورق عظمي ، واقترب أجلي ، [ ص: 216 ] وما بي من حاجة أن أكذب على الله - عز وجل - وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لو لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا ، لقد سمعت منه سبع مرات أو أكثر من ذلك .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية