الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه

                                                                  12 - حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج قال : ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال : ثنا نمير قال : ثنا عبد الله بن إدريس قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس ، عن حبيب بن أبي أوس قال : حدثني عمرو بن العاص من فيه إلى أذني قال : لما انصرفنا من الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش ، فقلت لهم : أترون رأيي وتسمعون مني ؟ قالوا : نعم ، فقلت : إني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوا شديدا ، وإني قد رأيت رأيا ، فما ترون فيه ؟ قالوا : وما هو ؟ قلت : أرى أن نلحق بالنجاشي ، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فنكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد ، وإن ظهر قومنا فنحن منهم من قد عرفونا ، ولا يأتينا منهم إلا خير ، قالوا : إن هذا لرأي ، فقلت : فاجمعوا هدايا نهديها له ، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم ، قال : فجمعنا له أدما كثيرا ، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه ، فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضمري ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه ، قال : فدخلوا [ ص: 217 ] عليه ثم خرجوا من عنده ، فقلت لهم يعني أصحابه : هذا عمرو بن أمية ، فلو دخلنا عليه فقدمنا إليه هدايانا فسألته إياه فأعطانيه فقتلته ، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول رسول الله محمد ، قال : فدخلت عليه فسجدت له كما كنا نصنع به ، فقال : مرحبا بك ، هل أهديت إلي من بلادك أشياء ؟ قلت : نعم ، أهديت لك أيها الملك أدما كثيرا ، قال : فقربته إليه فاشتهاه وأعجبه ، فقلت : أيها الملك ، إني رأيت رجلا خرج من عندك ، وهو رسول رجل عدو لنا ، فأعطنيه فأقتله ، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا ، قال : فغضب ومد يده فضرب بها الأنف أنفه ضربة ظننت أنه كاسره ، قال : فلو انشقت لي الأرض فدخلت منها فرقا منه ، فقلت : أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه ، قال : أتسألني أن أعطيك رجلا لتقتله وهو رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، فقلت له : كذلك هو ؟ قال : نعم ، ثم قال : ويحك يا عمرو ، أطعني واتبعه ، فوالله إنه على الحق ، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى - صلى الله عليه وسلم - على فرعون وجنوده ، فقلت له : أفتبايعني له على الإسلام ؟ قال : نعم ، فبسط يده فبايعته على الإسلام ، ثم خرجت من عنده إلى أصحابي وقد حال رأيي رأي عمرو عما كان عليه ، وكتمت أصحابي إسلامي ، ثم خرجت عامدا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسلم ، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح وهو مقبل من مكة ، فقلت : إلى أين يا أبا سليمان ، فقال : والله لقد استقام المنسم ، وإن الرجل لعلى الحق ، وأنا أذهب لأسلم ، فقلت : وأنا أيضا ، فقدمنا المدينة ، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقدم خالد وأسلم وبايع ، وتقدمت أنا وقلت وأنا أبايع [ ص: 218 ] وذكرت ما تقدم من ذنبي ، ولم أذكر ما استأخر ، فقال : " بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله ، والهجرة تجب ما كان قبلها " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية