الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني [ ص: 4564 ] وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنـز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنـزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا

                                                          كان استغراب موسى شديدا؛ وكان معه استنكار؛ ووصف له بالنكر؛ ولذلك كان التذكير بأنه لم يستطع صبرا بأسلوب قوي؛ فيه لوم أشد؛ فقال (تعالى): قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا "؛ فقد زيد "لك "؛ عن اللوم السابق؛ الخاص بخرق السفينة؛ وهي تفيد مزيد اللوم؛ إذ إنه يذكره بأن الخطاب كان له؛ وفي ذلك فضل توكيد للوم؛ لأنه لم يكن الخطاب لغيره؛ بل كان له ابتداء؛ والاستفهام للإنكار؛ بمعنى إنكار الوقوع؛ مع اللوم؛ وتحقيق القول؛ والمعنى: لقد قلت لك: إنك لن تستطيع معي صبرا؛ وفيه تأكيد لعدم الاستطاعة؛ بالجملة الاسمية؛ و "إن "؛ الدالة على التوكيد؛ و "لن "؛ المؤكدة للنفي؛ وتنكير الصبر؛ أي: صبرا؛ كان قليلا؛ أو كثيرا.

                                                          لقد قال موسى لصاحبه في المرة الأولى: ولا ترهقني من أمري عسرا أي: لا ترهقني عسرا من أمري؛ فتجعلني في عسر من صحبتك؛ بل تغاض؛ وسهل [ ص: 4565 ] الصحبة؛ وقربها؛ أما في هذه المرة فقد أحس بشدته هو على العبد الصالح؛ إذ قال: إن ما فعلته نكر؛ أحس موسى - كليم الله (تعالى) - بشدة اللوم؛ وأحس بأنه كان منه ما أوجبه؛ ولذا قال - في حال تشبه الاعتذار -:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية