الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 262 ] ( 16 ) باب النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب

                                                                                                                        24365 - قال مالك : لا يحل نكاح أمة يهودية ولا نصرانية . لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ المائدة : 5 ] فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات .

                                                                                                                        24366 - وقال الله تبارك وتعالى ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [ النساء : 25 ] فهن الإماء المؤمنات .

                                                                                                                        24367 - قال مالك : فإنما أحل الله فيما نرى ، نكاح الإماء المؤمنات ولم يحلل نكاح إماء أهل الكتاب . اليهودية والنصرانية .

                                                                                                                        24368 - قال مالك : والأمة اليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين . ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        24369 - قال أبو عمر : قد أوضح به مالك - رحمه الله - في هذا الكتاب بما احتج به من نصوص الكتاب ، وعلى ما ذهب إليه من ذلك جمهور أهل العلم .

                                                                                                                        [ ص: 263 ] 24370 - وقد ذكرنا أنه تفسير ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة وغيره عنه .

                                                                                                                        24371 - قال ابن عباس : من لم يكن له سعة أن ينكح الحرائر ، فلينكح من إماء المؤمنين .

                                                                                                                        24372 - وكذلك قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : من لم يستطع أن ينكح المرأة المؤمنة ، فلينكح الأمة المؤمنة .

                                                                                                                        24373 - وقال : لا ينبغي للحر المسلم أن ينكح المملوكة من إماء أهل الكتاب ; لأن الله تعالى يقول : من فتياتكم المؤمنات [ النساء : 25 ] .

                                                                                                                        24374 - وقال يزيد بن ذريع ، عن يونس ، عن الحسن : إنما رخص الله في الأمة المؤمنة ، قال الله عز وجل : من فتياتكم المؤمنات لمن لم يجد طولا .

                                                                                                                        [ ص: 264 ] 24375 - وهذا قول ابن شهاب الزهري ومكحول ، وسفيان الثوري والأوزاعي ، ومالك ، والليث ، وأحمد ، وإسحاق ، إلا أن الثوري ، قال : لا أكره الأمة الكتابية ولا أحرمه .

                                                                                                                        24376 - وأما مالك ، والشافعي ، والليث ، والأوزاعي ، فقالوا : لا يجوز لحر ، ولا لعبد مسلم نكاح أمة كتابية .

                                                                                                                        24377 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا بأس بنكاح إماء أهل الكتاب ; لأن الله تعالى قد أحل الحرائر منهن ، والإماء تبع لهن .

                                                                                                                        24378 - وروي عن أبي يوسف أنه قال : أكره نكاح الأمة الكتابية إذا كان مولاها كافرا ، والنكاح جائز .

                                                                                                                        24379 - وقال محمد بن الحسن : يجوز نكاحها للعبد .

                                                                                                                        24380 - قال أبو عمر : لا أعلم لهم سلفا في قولهم هذا إلا أبا ميسرة عمرو بن شرحبيل فإنه قال : إماء أهل الكتاب بمنزلة الحرائر منهن .

                                                                                                                        [ ص: 265 ] 24381 - ولهم في ذلك احتجاجات من المقايسات ، عليهم مثلها سوى ظاهر النص ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        24382 - وأما قوله : الأمة اليهودية ، والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين ، فعلى هذا جمهور أهل العلم على عموم قول الله ، عز وجل : أو ما ملكت أيمانكم [ النساء : 25 ] .

                                                                                                                        24383 - وجاء عن الحسن البصري : أنه كره وطء الأمة اليهودية ، والنصرانية بملك اليمين .

                                                                                                                        24384 - وهذا شذوذ عن الجماعة التي هي الحجة على من خالفها .

                                                                                                                        24385 - وأما قوله : ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين ، فهذا أيضا قول جمهور أهل العلم .

                                                                                                                        24386 - ولم يختلف فيه فقهاء أهل الأمصار من أهل الرأي ، والآثار .

                                                                                                                        [ ص: 266 ] 24387 - وروي عن مجاهد وطاوس في ذلك رخصة .

                                                                                                                        24388 - وهو قول شاذ مهجور .

                                                                                                                        24389 - وقد روى وكيع ، وغيره ، عن الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن الحسن بن محمد بن علي ، قال : كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مجوس هجر ، يعرض عليهم الإسلام ، فمن أسلم قبل منه ، ومن أبى ضربت عليه الجزية ، على ألا تؤكل لهم ذبيحة ، ولا تنكح لهم امرأة .

                                                                                                                        24390 - وروى سفيان الثوري ، عن حماد ، قال : سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية ، والنصرانية ؟ فقال : لا بأس به ، فقلت : فإن الله تعالى يقول : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [ البقرة : 221 ] . قال : أهل الأوثان والمجوس .

                                                                                                                        24391 - وذكر سنيد ، قال : حدثني جرير ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال : سألت سعيد بن جبير ، ومرة الهمداني قلت : أناس يشترون المجوسيات ، فيقع أحدهم عليها قبل أن تسلم ؟

                                                                                                                        [ ص: 267 ] فقال مرة : ما يصلح هذا .

                                                                                                                        وقال سعيد : ما يجوز منهن إذا فعلوا ذلك ، فكان سعيد أشدهما قولا .

                                                                                                                        24392 - قال : وحدثني جرير ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، قال : إذا سبيت اليهوديات ، والنصرانيات أجبرن على الإسلام ، فإن أسلمن وطئن ، واستخدمن ، وإن لم يسلمن استخدمن .

                                                                                                                        24393 - وإذا سبيت المجوسيات ، وعبدة الأوثان يجبرن على الإسلام ، فإن أسلمن وطئن ، واستخدمن ، وإن لم يسلمن استخدمن ، وإن لم يوطأن .

                                                                                                                        24394 - وقال هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : إذا سبيت المجوسية ، والوثنية . فلا توطأ حتى تسلم ، وإن أبين أكرهن .

                                                                                                                        24395 - وقال الأوزاعي : سألت الزهري عن الرجل يشتري المجوسية ، أيطأها ؟ فقال : إذا شهدت أن لا إله إلا الله ، وطئها .

                                                                                                                        24396 - وروى شريك ، عن سماك بن حرب ، عن أبي سلمة بن أبي عبد الرحمن ، قال لا يطأها حتى تسلم .

                                                                                                                        [ ص: 268 ] 24397 - وقال الليث بن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : لا يحل له أن يطأها حتى تسلم .

                                                                                                                        24398 - قال أبو عمر : أجمعوا أنه لا يجوز لمسلم نكاح مجوسية ، ولا وثنية ، ولا خلاف بين العلماء في ذلك .

                                                                                                                        24399 - وإذا كان حراما بإجماع نكاحها فكذلك وطؤها بملك اليمين قياسا ، ونظرا .

                                                                                                                        24400 - فإن قيل : إنكم تجيزون وطء الأمة الكتابية بملك اليمين ، ولا تجيزون نكاحها ؟ قيل : إن الله تعالى نص على الفتيات المؤمنات عند عدم الطول إلى المحصنات ، فماذا بعد قول الله تعالى ؟

                                                                                                                        24401 - قال أبو عمر : قول ابن شهاب - وهو أعلم الناس بالمغازي والسير - دليل على فساد قول من زعم أن سبي أوطاس ، وطئن ولم يسلمن .

                                                                                                                        24402 - وروي ذلك عن طائفة ، منهم : عطاء ، وعمرو بن دينار ، قال : لا بأس بوطء الأمة المجوسية .

                                                                                                                        24403 - وهذا لم يلتفت إليه أحد من الفقهاء بالأمصار .

                                                                                                                        [ ص: 269 ] 24404 - وقد جاء عن الحسن البصري - وهو ممن لم يكن غزوه ، ولا غزو أهل ناحيته إلا الفرس ، وما وراءهم من خراسان ، ولم يكن أحد منهم أهل كتاب - ما يبين لك كيف كانت السيرة في نسائهم إذا سبين .

                                                                                                                        24405 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثني إبراهيم بن أحمد بن فراس قال : حدثني علي بن عبد العزيز ، قال : حدثني أبو عبيد ، قال : حدثني هشيم ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : قال له رجل : يا أبا سعيد ! كيف كنتم تصنعون إذا سبيتموهن ؟ قال : كنا نوجهها إلى القبلة ونأمرها أن تسلم ، وتشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ثم نأمرها أن تغتسل ، فإذا أراد صاحبها أن يصيبها ، لم يصبها حتى يستبرئها .

                                                                                                                        24406 - وعلى هذا تأويل جماعة العلماء في قول الله - عز وجل : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [ البقرة : 221 ] أنهن الوثنيات ، والمجوسيات ; لأن الله تعالى قد أحل الكتابيات بقوله تعالى : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ ص: 270 ] [ المائدة : 5 ] يعني العفائف ; لا من شهر زناها من المسلمات ، ومنهم من كره نكاحها ووطأها بملك اليمين ما لم يكن منهن توبة ; لما في ذلك من إفساد النسب .

                                                                                                                        24407 - وسيأتي ذكر نكاح الزانية في موضعه إن شاء الله عز وجل .

                                                                                                                        24408 - وقد كان ابن عمر يكره نكاح الكتابيات ، ويحمل قوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [ البقرة : 221 ] على كل كافرة ، ويقول لا أعلم شركا أكبر من قولهن : المسيح ابن الله ، وعزير ابن الله .

                                                                                                                        24409 - وهذا قول شذ فيه ابن عمر عن جماعة الصحابة - رضوان الله عليهم - وخالف ظاهر قول الله ، عز وجل : اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ المائدة : 5 ] .

                                                                                                                        24410 - ولم يلتفت أحد من علماء الأمصار - قديما وحديثا - إلى قوله ذلك ؟ [ ص: 271 ] لأن إحدى الآيتين ليست بأولى بالاستعمال من الأخرى ، ولا سبيل إلى نسخ إحداهما بالأخرى ما كان إلى استعمالهما سبيل ، فآية سورة البقرة عند العلماء في الوثنيات ، والمجوسيات ، وآية المائدة في الكتابيات .

                                                                                                                        24411 - وقد تزوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة نصرانية ، وتزوج طلحة بن عبد الله يهودية ، وتزوج حذيفة يهودية ، وعنده حرتان مسلمتان عربيتان .

                                                                                                                        24412 - ولا أعلم خلافا في نكاح الكتابيات الحرائر بعد ما ذكرنا إذا لم يكن من نساء أهل الحرب .

                                                                                                                        24413 - فإن كن حربيات :

                                                                                                                        فأكثر أهل العلم على كراهية نكاحهن ; لأن المقام له ولذريته بدار الحرب حرام عليه .

                                                                                                                        24414 - ومن تزوج بدار الحرب ، فقد رضي المقام بها .

                                                                                                                        24415 - أخبرنا أحمد بن قاسم ، وأحمد بن محمد ، قالا : حدثنا محمد بن نصر ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : [ ص: 272 ] حدثنا حجاج ، عن المسعودي ، عن الحكم بن عتبة ، قال : قلت لإبراهيم : أتعلم شيئا من نساء أهل الكتاب حراما ؟ قال : لا ، قال الحكم ، وقد كنت سمعت من أبي عياض أن نساء أهل الكتاب محرم نكاحهن في بلادهن ، فذكرت ذلك لإبراهيم ، فصدق به ، وأعجبه .

                                                                                                                        24416 - قال أبو عمر : أبو عياض هذا من كبار التابعين ، وفقهائهم ، أدرك عمر بن الخطاب ، فكان يروي عن أبي هريرة ، وابن عباس ، ويفتي في حياتهما ، ويستفتى في خلافة معاوية .

                                                                                                                        قيل : اسمه قيس بن ثعلبة .

                                                                                                                        24417 - واتفق مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي أن نكاح الحربيات في دار الحرب حلال ، إلا أنهم يكرهون ذلك من أجل الولد والنساء .

                                                                                                                        24418 - وقال سعيد بن المسيب ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وعروة بن الزبير في المرأة من أهل الكتاب حربية تدخل أرض العرب : لا تنكح إلا أن تظهر السكنى بأرض العرب قبل أن تخطب ، وبالله التوفيق ، وهو حسبي ، ونعم الوكيل .




                                                                                                                        الخدمات العلمية