الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1217 [ ص: 493 ] 27 - باب: إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه

                                                                                                                                                                                                                              1276 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا شقيق ، حدثنا خباب - رضي الله عنه - قال : هاجرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا منهم : مصعب بن عمير -ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها- قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة ، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه ، وأن نجعل على رجليه من الإذخر . [3897 ، 3913 ، 4047 ، 4082 ، 6432 ، 6448 - مسلم : 940 - فتح: 3 \ 142]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث خباب وفيه أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة ، إذا غطينا بها رأسه خرجت ، الحديث ، فأمرنا أن نغطي رأسه ، وأن نجعل على رجليه من الإذخر .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا . وفي بعض روايات البخاري : قتل يوم أحد ولم يترك إلا نمرة . وفي أخرى : وترك نمرة ، خرجه في المغازي ، وفي باب : هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي غيره .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى أينعت : نضجت وأدركت ، ويقال : ينعت . ومنه قوله تعالى وينعه [الأنعام : 99] . وقال الحجاج في خطبته : أرى رءوسا قد أينعت . أي : حان قطافها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 494 ] ويهدبها : يجتنيها بضم الدال وكسرها . وقول خباب هذا ، مما أشعر به نفسه من الخوف مع أخذهم الكفاف ، وهذه صفة المؤمن .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أن الثوب إذا ضاق فتغطية الرأس أولى أن يبدأ به من رجليه ; لشرفه .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : إنما أمر بتغطية الأفضل إذا أمكن ذلك بعد ستر العورة ولو ضاق الثوب عن تغطية رأسه وعورته لغطيت بذلك عورته وجعل على سائره من الإذخر -وهو بالذال المعجمة معروف- لأن ستر العورة واجب في حال الموت والحياة ، والنظر إليها ومباشرتها باليد محرم إلا من حل له من الزوجين ، كذا قال . وهو ظاهر على من يقول إن الكفن يكون ساترا لجميع البدن وإن الميت يصير كله عورة وإلا فالظاهر إنما ستره طلبا للأكمل .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : ما كان عليه صدر هذه الأمة من الصدق في وصف أحوالهم ألا ترى إلى قوله : (فمنا من لم يأكل من أجره شيئا ) يعني : لم يكسب من الدنيا شيئا ولا اقتناه ، وقصر نفسه عن شهواتها ; لينالها موفرة في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                              و (منها من أينعت له ثمرته ) يعني : من كسب المال ، ونال من عرض الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار ودرجات الأخيار ، فمن صبر على ذلك عوفي من حر النار .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة : خباب هو ابن الأرت -بتشديد المثناة فوق- تميمي ، وقيل : خزاعي بدري من السابقين ، مات سنة سبع وثلاثين وصلى عليه علي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 495 ] ومصعب بن عمير هو أول من هاجر إلى المدينة -كما سلف في الباب قبله- وهو أخو أبي عزيز الذي فدي يوم بدر بأربعة آلاف ، ثم أسلم وصحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه . وأختهما هند أم شيبة بن عثمان ، أمهم أم خناس بنت مالك من بني عامر بن لؤي ، وأخوهم أبو الروم قديم الإسلام ، أمه أم رومة ، وأبو يزيد أخوهم ، قتل كافرا يوم أحد ، كلهم أولاد عمير بن هاشم بن عبد مناف ، شهد أبو الروم أحدا وقتل باليرموك ، وقيل : اسم أبي عزيز زرارة ، وكان حامل لواء المشركين يوم بدر ، ويوم أحد حتى قتله ابن قميئة الليثي -لعنه الله- عن نيف وأربعين سنة .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية