الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء [ ص: 196 ] ألا إنهم هم الكاذبون . استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم نزلت في المنافقين الذين تولوا اليهود، ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين . وقال السدي، ومقاتل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق، وذلك أنه كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرفع حديثه إلى اليهود، فدخل عليه يوما، وكان أزرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "فعلت" فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبوه، فأنزل الله هذه الآيات . وروى الحاكم أبو عبد الله في "صحيحه" من حديث ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من حجره، وعنده نفر من المسلمين، فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا أتاكم فلا تكلموه، فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ فانطلق الرجل فدعاهم، فحلفوا بالله، واعتذروا إليه، فأنزل الله تعالى: يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون . . . الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما التفسير، فالذين تولوا: هم المنافقون، والمغضوب عليهم: هم اليهود ما هم منكم يعني: المنافقين ليسوا من المسلمين، ولا من اليهود ويحلفون على الكذب وهو ما ذكرنا في سبب نزولها . وقال بعضهم: حلفوا أنهم ما سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تولوا اليهود وهم يعلمون أنهم كذبة اتخذوا أيمانهم [ ص: 197 ] جنة أي: سترة يتقون بها القتل . قال ابن قتيبة: المعنى: استتروا بالحلف، فكلما ظهر لهم شيء يوجب معاقبتهم حلفوا كاذبين، فصدوا عن سبيل الله فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: صدوا الناس عن دين الإسلام قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: صدوا عن جهادهم بالقتل وأخذ مالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فيحلفون له قال مقاتل، وقتادة: يحلفون لله في الآخرة أنهم كانوا مؤمنين، كما حلفوا لأوليائه في الدنيا ويحسبون أنهم على شيء من أيمانهم الكاذبة ألا إنهم هم الكاذبون في قولهم وأيمانهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: استحوذ عليهم الشيطان قال أبو عبيدة: غلب عليهم، وحاذهم، وقد بينا هذا في سورة [النساء] عند قوله تعالى: نستحوذ عليكم [آية: 141]، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: أولئك في الأذلين أي: في المغلوبين، فلهم في الدنيا ذل، وفي الآخرة خزي .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية