الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : شراء الماء للوضوء

                                                                                                                                            قال الشافعي : " وإن وجده بثمن في موضعه وهو واجد للثمن غير خائف إن اشتراه الجوع في سفره فليس له أن يتيمم ، وإن أعطيه بأكثر من الثمن لم يكن له أن يشتريه ويتيمم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال إذا عدم الماء في سفره ثم وجده يباع ، فلا يخلو حاله من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون واجدا لثمنه أو غير واجد ، فإن كان غير واجد لثمنه صار عاجزا عن استعمال الماء ، وأجزأه التيمم ، فلو بذل له الماء بثمن في الذمة يؤديه إذا قدر عليه لم يلزمه أن يشتريه سواء كان مالكا لقدر الثمن في موضع آخر أم لا : لأنه قد يجوز أن يهلك المال قبل وصوله إليه ، فيصير الدين متعلقا بذمته فعلى هذا يتيمم ويصلي ويجزئه .

                                                                                                                                            فإن قيل : لو عدم ثمن الرقبة في الكفارة بمكانه الذي هو فيه ، وكان مالكا لثمنه بمكان آخر أجزأه أن يصوم .

                                                                                                                                            قلنا : لا يجزئه الصيام ، ولا يلزمه شراء الرقبة في مكانه بالدين ، ويؤخرها إلى أن يصل إلى المال ، فيشتري ويعتق ، والفرق بينهما أن الصلاة موقتة لا يجوز تأخيرها عن وقتها ، فإذا عجز عن الطهارة بالماء عدل إلى الطهارة بالتراب ، وليس وقت الكفارة مضيقا ، ويجوز تأخيرها عن مكان إلى مكان ، وإن كان واجدا للثمن ، فإن كان محتاجا إليه في نفقته وزاده كان في حكم العادم له ، فيتيمم ويجزئه ، وإن كان غير محتاج إليه ، فلا يخلو أن يكون الماء مبذولا بثمن مثله ، أو بأكثر ، فإن بذل له الماء بأكثر من ثمن مثله بمكانه في غالب أحوال السلامة ، لا في وقت الانقطاع والقلة لم يلزمه أن يشتريه ، وجاز له أن يتيمم ويصلي : لأن الطلب للماء أكثر من ثمن مثله في حكم المانع منه ، وسواء كانت الزيادة المطلوبة عن ثمن المثل كثيرة أو قليلة : لأنه لو لزم بذل اليسير للزمه بذل الكثير ، ولأفضى الأمر به إلى خروجه من جميع ملكه ، وهذا عدول عما يقتضيه الشرع ، ورفع الخروج في المعتدل .

                                                                                                                                            فإن قيل : لو بذلت له الرقبة بأكثر من ثمن مثلها .

                                                                                                                                            [ ص: 289 ] قلنا : لا يلزمه أن يشتريها ولا يجوز له أن يصوم ويتوقف حتى يجدها بثمن مثلها لما ذكرنا من الفرق بين الصلاة وبينها ، وإن بذل له الماء بثمن مثله في غالب أحوال السلامة لزمه أن يشتريه ، ولا يجوز له أن يتيمم : لأن القدرة على البدل في حكم القدرة على المبدل ، ألا ترى أن القادر على ثمن الرقبة في حكم القادر على الرقبة في الكفارة ، والقادر على ثمن الزاد والراحلة في حكم القادر على الزاد والراحلة في الحج ، والقادر على صداق الحرة في حكم القادر على الحرة في تحريم نكاح الأمة ، وإن كان كذلك صار القادر على ثمن الماء في حكم القادر على الماء فلزمه شراؤه واستعماله فلم يجز أن يتيمم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية