الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 81 ] ( الخامسة في مولده وبيعته ومدة ملكه ومتعلقات ذلك )

أخرج نعيم بن حماد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : المهدي مولده بالمدينة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واسمه اسم نبي ومهاجره بيت المقدس . وفي مرفوع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عند أبي نعيم وأبي بكر بن المقري في معجمه : يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة .

وأما بيعته فيبايع بمكة المشرفة بين الركن والمقام ليلة عاشوراء ، وإذا هاجر المهدي من المدينة إلى بيت المقدس تخرب المدينة بعد هجرته وتصير مأوى للوحوش ، وقد ورد : عمران بيت المقدس خراب يثرب . وفي حديث قتادة : يخرج المهدي من المدينة إلى مكة . وفي حديث ابن عباس : يستخرجوه من بطن مكة من دار عند الصفا . وفي خبر أبي جعفر : يظهر المهدي بمكة عند العشاء . وفي الخبر : يبعث السفياني جيشا إلى مكة فيأمر بقتل من كان فيها من بني هاشم فيقتلون ويتفرقون هاربين إلى البراري والجبال حتى يظهر أمر المهدي بمكة فإذا ظهر اجتمع كل من شذ منهم إليه بمكة ويأتي سبعة علماء من آفاق شتى على غير ميعاد قد بايع لكل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر فيجتمعون بمكة ويقول بعضهم لبعض ما جاء بكم فيقولون جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه الفتن وتفتح له قسطنطينية قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه - ولم نقف على اسم أم المهدي بعد الفحص والتتبع ولعلهم يعرفون اسم أمه بالكشف كما ذكره في الإشاعة فيقف السبع على ذلك - فيطلبونه فيصيبونه بمكة فيقولون أنت فلان ؟ فيقول بل أنا رجل من الأنصار ، فينفلت منهم فيصيبونه لأهل الخبرة والمعرفة به فيقولون هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة ، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة ، وهكذا ثلاث مرات ، فيصيبونه بمكة في الثالثة عند الركن فيقولون : إثمنا عليك ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك ، وقد أقبل عسكر السفياني في طلبنا ، فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له فيلقي الله محبته في قلوب الخلق فيصير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل . أخرجه نعيم بن حماد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

[ ص: 82 ] وأخرج أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يبعث المهدي بعد إياس حتى يقول الناس لا مهدي وأنصاره من أهل الشام عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا عدد أصحاب بدر يسيرون إليه من الشام حتى يستخرجوه من بطن مكة من دار عند الصفا فيبايعوه كرها فيصلي بهم ركعتين عند المقام .

وأخرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال يبايع المهدي بين الركن والمقام لا يوقظ نائما ولا يهريق دما . والله أعلم .

وقد تكاثرت الروايات والآثار بأمر المهدي وقد ذكر العلماء أن أول ظهوره يكون شابا ثم يخاف على نفسه من القتل فيفر إلى مكة مختفيا ثم يرجع إلى مكة فيرونه بالمطاف عند الركن فيقهرونه على المبايعة بالإمامة ثم يتوجه إلى المدينة ومعه المؤمنون ثم يسيرون إلى جهة الكوفة ثم يعود منهزما من جيش السفياني إلى الشام فيقصده المهدي فيذبحه عند عتبة بيت المقدس كما تذبح الشاة ويغنمه ومن معه من أخواله الذين هم جنده من بني كلب ولا أكثر من تلك الغنيمة .

وفي رواية أنه يخرج رجل من كلب يقال له كنانة بعينه كوكب في رهط من قومه حتى يأتي الصخري يعني السفياني فيبعث إليه المهدي راية وأعظم راية في زمانه مائة رجل فتصف كلب خيلها ورجلها وإبلها وغنمها فإذا تشامت الخيلان ولت كلب أدبارها فيقتلونهم ويسبونهم حتى تباع العذراء منهم بثمانية دراهم ويؤخذ الصخري فيؤتى به أسيرا إلى المهدي فيذبح على الصخرة المعترضة على وجه الأرض عند الكنيسة التي ببطن الوادي على درج طور زيتا المقنطرة التي على الوادي كما تذبح الشاة .

وفي رواية ثم يؤخذ عروة السفياني على أعلى شجرة على بحيرة طبرية - قال صلى الله عليه وسلم " والخائب يومئذ من خاب من قتال كلب ولو بكلمة أو بتكبيرة أو بصيحة والخائب من خاب يومئذ من غنيمة كلب ولو بعقال " فقال حذيفة يا رسول الله كيف يحل قتلهم وتغنم أموالهم وهم مسلمون ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " يكفرون باستحلالهم الخمر والزنا . "

وفي الحديث : لا تحشر أمتي حتى يخرج المهدي يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة ويخرج إليه الأبدال من الشام [ ص: 83 ] والنجباء من مصر وعصائب أهل الشرق حتى يأتوا مكة فيبايع له بين الركن والمقام ثم يتوجه إلى الشام وجبريل على مقدمته وميكائيل على يساره ومعه أهل الكهف أعوان له فيفرح به أهل السماء والأرض والطير والوحش والحيتان في البحر وتزيد المياه في دولته وتمتد الأنهار وتضعف الأرض أكلها فيقدم إلى الشام فيأخذ السفياني فيذبح تحت الشجرة التي أغصانها إلى بحيرة طبرية . والذي يظهر في الجمع بين روايات ذبح السفياني أنه يذبح تحت الشجرة هو أو وزيره والذي يذبح على العتبة هو نفسه إن كان المذبوح تحت الشجرة وزيره أو وزيره إن كان هو المذبوح . ثم تمهد الأرض للمهدي ويدخل في طاعته ملوك الأرض كلهم ويبعث بعثا إلى الهند فتفتح ويؤتى بملوك الهند إليه مقفلين وتنقل خزائنها إلى بيت المقدس فتجعل حلية لبيت المقدس ويمكث في ذلك سنين .

وقد اختلفت الروايات في مدة ملك المهدي ففي بعضها يملك خمسا أو سبعا أو ستا - بالترديد - وفي بعضها : تسع عشرة سنة أو شهرا ، وفي بعضها : عشرين ، وفي بعضها : ثلاثين ، وفي بعضها : أربعين منها تسع سنين يهادن الروم فيها .

ويمكن الجمع على تقدير صحة الكل بأن ملكه متفاوت الظهور والقوة فيحمل الأكثر باعتبار جميع مدة الملك منذ البيعة والأقل على غاية الظهور والأوسط على الأوسط . قال في الإشاعة : وهذا الذي تقتضيه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بالمهدي وأن الله تعالى يعوضهم عن الظلم والجور قسطا وعدلا ، واللائق بالله تعالى أن تكون مدة ذلك بقدر ما ينسون فيها الظلم والجور والفتن ، والسبع والتسع أقل من ذلك مع أنه في مدته تفتح الدنيا كلها كما فتحها ذو القرنين وسليمان ويدخل جميع الآفاق كما في بعض الروايات ، ويبني المساجد والبلدان ويحلي بيت المقدس ، وهذا يقتضي مدة طويلة مع ما ورد أن الأعمار تطول في زمانه فطولها مستلزم لطول مدته والتسع ونحوها ليست من الطول في شيء ولا سيما مهادنته للروم تسع سنين ثم فتح القسطنطينية ورومية المدائن وغيرهما وهذا يقتضي طول مدته وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية