الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 692 ] ثم دخلت سنة ست وتسعين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت هذه السنة ، والملك الأفضل بالجيش المصري محاصر لعمه العادل بدمشق ، وقد قطع عنها الأنهار والميرة فلا خبز ولا ماء إلا قليلا ، وقد تطاول الحال ، وقد خندقوا من أرض اللوان إلى يلدا خندقا ; لئلا يصل إليهم جيش دمشق وجاء فصل الشتاء وكثرت الأمطار والأوحال ، فلما دخل شهر صفر ، قدم الملك الكامل محمد بن العادل على أبيه بخلق من التركمان ، وعساكر من بلاد الجزيرة والرها وحران ، فعند ذلك انصرفت العساكر المصرية ، وتفرقوا أيادي سبا ، فرجع الظاهر إلى المملكة الحلبية ، والأسد إلى حمص والأفضل إلى الديار المصرية ، وسلم العادل من كيد الأعادي ، بعدما كان قد عزم على تسليم البلد واستسلم ، ولكن الله سلم . وسارت الأمراء الناصرية خلف الأفضل ليمنعوه من الدخول إلى القاهرة وكاتبوا العادل أن يسرع السير إليهم والقدوم عليهم ، فنهض إليهم سريعا سامعا لمشورتهم مطيعا ، فتحصن الأفضل بالقلعة من الجبل ، وقد اعتراه الضعف والفشل ، ونزل العادل على البركة واستبد بملك مصر آمنا من الشركة ، ونزل إليه ابن أخيه الأفضل خاضعا [ ص: 693 ] ذليلا بعدما كان مهيبا جليلا ، فأقطعه بلادا من الجزيرة ونفاه عن الشام لسوء السيرة ، ودخل العادل إلى دار السلطان بالقاهرة ، وأعاد القضاء إلى صدر الدين عبد الملك بن درباس الماراني الكردي ، وأبقى الخطبة والسكة باسم ابن أخيه المنصور ، وكان هو المستقل بالأمور ، واستوزر الصاحب صفي الدين بن شكر لصرامته وشهامته وسيادته وديانته ، وكتب العادل إلى ولده الكامل يستدعيه من بلاد الجزيرة ; ليملكه على الديار المصرية ويسترعيه ، فقدم عليه فأكرمه واحترمه وعانقه والتزمه ، وأحضر الملك الفقهاء واستفتاهم في صحة مملكة ابن أخيه المنصور بن العزيز ، وأنه صغير ابن عشر سنين ، فأفتوا بأن ولايته لا تصح ; لأنه متولى عليه ، فعند ذلك طلب الأمراء ودعاهم إلى مبايعته فامتنعوا ، فأرغبهم وأرهبهم ، وقال فيما قال : قد سمعتم ما أفتى به العلماء والأئمة والفقهاء ، وقد علمتم أن ثغور المسلمين لا يحفظها الأطفال الصغار ، وإنما يحرسها الملوك الكبار ، فأذعنوا عند ذلك وبايعوه ، ثم من بعده لولده الكامل ، فخطب الخطباء بذلك بعد الخليفة لهما ، فضربت السكة باسمهما ، واستقرت دمشق باسم المعظم عيسى بن العادل ، ومصر باسم الكامل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شوال رجع إلى دمشق الأمير فلك الدين أبو منصور سليمان بن شروة بن خلدك ، وهو أخو الملك العادل لأمه ، وهو واقف الفلكية داخل باب الفراديس ، وبها قبره فأقام بها محترما معظما إلى أن توفي في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وفى التي بعدها كان بديار مصر غلاء شديد ، فهلك بسببه الغني [ ص: 694 ] والفقير ، وهرب الناس منها نحو الشام فلم يصل إليها إلا القليل ، وتخطفهم الفرنج من الطرقات وغروهم من أنفسهم واغتالوهم بالقليل من الأقوات ، وأما بلاد العراق فإنه كان مرخصا . قال ابن الساعي : وفي هذه السنة باض ديك ببغداد ، فسألت جماعة عن ذلك فأخبروني به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية