الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2626 ) مسألة : قال : ( وإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة ، فعليه دم ، ويمضي إلى التنعيم فيحرم ; ليطوف وهو محرم ) وفي هذه المسألة ثلاثة فصول ( 2627 ) : أحدها ، أن الوطء بعد الجمرة لا يفسد الحج . وهو قول ابن عباس ، وعكرمة ، وعطاء ، والشعبي ، وربيعة ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وقال النخعي ، والزهري ، وحماد : عليه حج من قابل ; لأن الوطء صادف إحراما من الحج ، فأفسده ، كالوطء قبل الرمي . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وكان قد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه } . ولأنه قول ابن عباس ، فإنه قال في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر : ينحران جزورا بينهما ، وليس عليه الحج من قابل . ولا نعرف له مخالفا في الصحابة .

                                                                                                                                            ولأن الحج عبادة لها تحللان ، فوجود المفسد بعد تحللها الأول لا يفسدها ، كبعد التسليمة الأولى في الصلاة ، وبهذا فارق ما قبل التحلل الأول . [ ص: 255 ] الفصل الثاني ، أن الواجب عليه بالوطء شاة . هذا ظاهر كلام الخرقي . ونص عليه أحمد . وقول عكرمة ، وربيعة ، ومالك ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال القاضي : فيه رواية أخرى ، أن عليه بدنة . وهو قول ابن عباس ، وعطاء ، والشعبي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ; لأنه وطئ في الحج ، فوجبت عليه بدنة ، كما قبل رمي جمرة العقبة .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه وطء لم يفسد ، فلم يوجب كالوطء دون الفرج إذا لم ينزل . ولأن حكم الإحرام خف بالتحلل الأول ، فينبغي أن يكون موجبه دون موجب الإحرام التام . ( 2629 ) الفصل الثالث ، أنه يفسد الإحرام بالوطء بعد رمي الجمرة ، ويلزمه أن يحرم من الحل . وبذلك قال عكرمة ، وربيعة ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال ابن عباس ، وعطاء ، والشعبي ، والشافعي : حجه صحيح ، ولا يلزمه الإحرام ; لأنه إحرام لا يفسد جميعه ، فلم يفسد بعضه ، كما لو وطئ بعد التحلل الثاني .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه وطء صادف إحراما ، فأفسده ، كالإحرام التام ، وإذا فسد إحرامه ، فعليه أن يحرم ليأتي بالطواف في إحرام صحيح ; لأن الطواف ركن ، فيجب أن يأتي به في إحرام صحيح ، كالوقوف ، ويلزمه الإحرام من الحل ; لأن الإحرام ينبغي أن يجمع فيه بين الحل والحرم ، فلو أبحنا لهذا الإحرام من الحرم لم يجمع بينهما ; لأن أفعاله كلها تقع في الحرم ، فأشبه المعتمر . وإذا أحرم من الحل ، طاف للزيارة ، وسعى إن كان لم يسع في حجه .

                                                                                                                                            وإن كان سعى ، طاف للزيارة ، وتحلل . هذا ظاهر كلام الخرقي ; لأن الذي بقي عليه بقية أفعال الحج ، وإنما وجب عليه الإحرام ليأتي بها في إحرام صحيح . والمنصوص عن أحمد ومن وافقه من الأئمة ، أنه يعتمر ، فيحتمل أنهم أرادوا هذا أيضا ، وسموه عمرة ; لأن هذا هو أفعال العمرة ; ويحتمل أنهم أرادوا عمرة حقيقية ، فيلزمه سعي وتقصير . والأول أصح ; لما ذكرنا . وقول الخرقي : " يحرم من التنعيم " . لم يذكره لتعيين الإحرام منه ، بل لأنه حل ، فمن أحل وأحرم جاز كالمعتمر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية