ومن باب الإشارة في الآيات:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا فيه أربع إشارات، إشارة التقديس بسبحان؛ فهو تنزيه له تعالى عن اللواحق المادية والنقائص التشبيهية وعن جميع ما يرتسم في الأذهان، وإشارة الغيرة بعدم ذكر الاسم الظاهر من أسمائه الحسنى عزت أسماؤه، وكذا بعدم ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، وإشارة الغيب بذكر ضمير الغائب، وإشارة السر بذكر الليل فإنه محل السر والنجوى، وعن بعض الأكابر: لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، وذكر غير واحد إن في اختيار عنوان العبودية إشارة إلى أنها أعلى المقامات، وقد أشير إلى ذلك فيما سلف، وأصلها الذل والخضوع وحيث إن الذل لشيء لا يكون إلا بعد معرفته دلت العبودية لله تعالى على معرفته سبحانه وكمالها على كمالها، ومن هنا فسر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون بقوله: إلا ليعرفون، وهي تسعة وتسعون سهما بعدد الأسماء الإلهية التي من أحصاها دخل الجنة لكل اسم إلهي عبودية مختصة به يتعبد له من يتعبد من المخلوقين ولم يتحقق بهذا المقام على كماله مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عبدا محضا زاهدا في جميع الأحوال التي تخرجه عن مرتبة العبودية، وشهد الله تعالى له بأنه عبد مضاف إليه من حيث هويته هنا واسمه الجامع في قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وأنه لما قام عبد الله ولما أمر صلى الله عليه وسلم بتعريف مقامه يوم القيامة قيد ذلك فقال عليه الصلاة والسلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665443«أنا سيد ولد آدم ولا فخر».
بالراء أو الزاي على اختلاف الروايتين وهي لما علمت من معناها لا يمكن أن تكون نعتا إلهيا أصلا بل هي صفة خاصة لا اشتراك فيها، فقد قال
أبو يزيد البسطامي: ما وجدت شيئا يتقرب به إليه تعالى إذ رأيت كل نعت يتقرب به للألوهية فيه مدخل فقلت: يا رب، بماذا أتقرب إليك؟ قال: تقرب إلي بما ليس لي. قلت: يا رب، وما الذي ليس لك؟ قال: الذلة والافتقار.
وذكر أن العبد مع الحق في حال عبوديته كالظل مع الشخص في مقابلة السراج كلما قرب إلى السراج عظم الظل، ولا قرب من الله تعالى إلا بما هو لك وصف أخص لا له سبحانه، وكلما بعد عن السراج صغر الظل، فإنه ما يبعدك عن الحق إلا خروجك عن صفتك التي تستحقها وطمعك في صفته تعالى، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار، وهما صفتان لله تعالى: و
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذق إنك أنت العزيز الكريم وهما كذلك وإلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=657759«أعوذ بك منك».
وأول بعضهم الليل بظلمة الغواشي البدنية والتعلقات الطبيعية وقال: إن الترقي والعروج لا يكون إلا بواسطة البدن، وقد صرحوا بأنه صلى الله عليه وسلم أسري به وكذا عرج يقظة لم يفارق بدنه إلا أن العارف
الجامي قال: إن ذلك إلى المحدد ثم ألقي البدن هناك، وقد تقدم ذلك، وفي أسرار القرآن أنه عليه الصلاة والسلام أسري به من رؤية أفعاله إلى رؤية صفاته ومن رؤية صفاته إلى رؤية ذاته فرأى الحق بالحق وكانت صورته روحه وروحه عقله وعقله قلبه وقلبه سره، وكأنه أراد أنه صلى الله عليه وسلم حصل له هذا الإسراء وإلا فإرادة أن الإسراء الذي في الآية هو هذا مما لا ينبغي.
ولا يخفى أن الإسراء غير المعراج، نعم قد يطلقون الإسراء على المعراج بل قيل: إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا
[ ص: 51 ] افترقا اجتمعا، وقد ذكروا أن لجميع الوارثين معراجا إلا أنه معراج أرواح لا أشباح وإسراء أسرار لا أسوار، ورؤية جنان لا عيان، وسلوك ذوق وتحقيق لا سلوك مسافة وطريق إلى سموات معنى لا مغنى، وهذا المعراج متفاوت حسب تفاوت مراتب الرجال، وقد ذكر
الشيخ الأكبر قدس سره في معراجه ما يحير الألباب ويقضي منه العجب العجاب ولم يستبعد ذلك منه بناء على أنه ختم الولاية المحمدية عندهم، ومن عجائب ما اتفق في زماننا أن رجلا يدعى
بعبد السلام نائب القاضي في
بغداد وكان جسورا على الحكم بالباطل شرع في ترجمة معراج الشيخ قدس سره بالتركية مع شرح بعض مغلقاته ولم يكن من خبايا هاتيك الزوايا فقبل أن يتم مرامه ابتلي والعياذ بالله تعالى بآكلة في فمه فأكلته إلى أذنيه فمات وعرج بروحه إلى حيث شاء الله تعالى، نسأل الله سبحانه العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ونقل عن الشيخ قدس سره أن الإسراء وقع له صلى الله عليه وسلم ثلاثين مرة، وفي كلام
الشيخ عبد الوهاب الشعراني أن إسراءاته عليه الصلاة والسلام كانت أربعا وثلاثين، واحد منها بجسمه والباقي بروحه، وقد صرحوا أن الأول من خصائصه صلى الله عليه وسلم. وفي الخصائص الصغرى وخص عليه الصلاة والسلام بالإسراء وما تضمنه من خرق السموات السبع والعلو إلى قاب قوسين ووطئه مكانا ما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وأن قطع المسافة الطويلة في الزمن القصير مما يكون كرامة للولي، والمشهور تسمية ذلك بطي المسافة وهو من أعظم خوارق العادات، وأنكر ثبوته للأولياء الحنفية، ومنهم
ابن وهبان قال:
ومن لولي قال طي مسافة يجوز جهول ثم بعض يكفر
وهذا منهم مع قولهم: إذا ولد لمغربي ولد من امرأته المشرقية مثلا يلحق به، وإن لم يلتقيا ظاهرا غريب، والكتب ملأى من حكايات الثقات هذه الكرامة لكثير من الصالحين، وكأن مجهل قائلها بنى تجهيله على أن في ذلك قولا بتداخل الجواهر وقد أحاله المتكلمون خلافا للنظام وبرهنوا على استحالته بما لا مزيد عليه، وادعى بعضهم الضرورة في ذلك، وأنت تعلم أن قطع المسافة الطويلة في الزمن القصير لا يتوقف على تداخل الجواهر لجواز أن يكون بالسرعة كما قالوا في الإسراء فليثبت للأولياء على هذا النحو على أن الكرامات كالمعجزات مجهولة الكيفية فنؤمن بما صح منها ونفوض كيفيته إلى من لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى، ومثل طي المسافة ما يحكونه من نشر الزمان وأنا مؤمن ولله تعالى الحمد بما يصح نقله من الأمرين، والمكفر جهول، والمجهل ليس برسول، والله تعالى الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، وأول
المسجد الحرام بمقام القلب المحترم عن أن يطوف به مشركو القوى البدنية ويرتكب فيه فواحشها وخطاياها،
والمسجد الأقصى بمقام الروح الأبعد من العالم الجسماني
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1لنريه من آياتنا أي آيات صفاتنا من جهة أنها منسوبة إلينا ونحن المشاهدون بها وإلا فأصل مشاهدة الصفات في مقام القلب
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا قال
سهل: أي: إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى المغفرة، وإن عدتم إلى الإعراض عنا عدنا إلى الإقبال عليكم، وإن عدتم إلى الفرار منا عدنا إلى أخذ الطريق عليكم لترجعوا إلينا.
وقال
الوراق: إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى التيسير والقبول، وقيل غير ذلك.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الآية. أي: إن هذا القرآن يعرف أهله بنوره أقوم الطرق إلى الله تعالى وهو طريق الطاعة والاقتداء بمن أنزل عليه عليه الصلاة والسلام، فإنه لا طريق يوصل إلا ذلك ولله تعالى در من قال:
وأنت باب الله أي امرئ أتاه من غيرك لا يدخل
وذكروا أن القرآن يرشد بظاهره إلى معاني باطنه وبمعاني باطنه إلى نور حقيقته، وبنور حقيقته إلى أصل
[ ص: 52 ] الصفة، وبالصفة إلى الذات فطوبى لمن استرشد بالقرآن فإنه يدله على الله تعالى، وقد أحسن من قال:
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا كفى لمطايانا بنورك هاديا
ويبشر أهله الذين يتبعونه أن لهم أجر المشاهدة وكشفها بلا حجاب
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=11ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا فيه إشارة إلى أدب من
nindex.php?page=treesubj&link=32045آداب الدعاء وهو عدم الاستعجال فينبغي للسالك أن يصبر حتى يعرف ما يليق بحاله فيدعو به، وقال
سهل: أسلم الدعوات الذكر وترك الاختيار؛ لأن في الذكر الكفاية، وربما يسأل الإنسان ما فيه هلاكه ولا يشعر، وفي الأثر:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665220يقول الله تعالى شأنه: من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيه أفضل ما أعطي السائلين nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا الليل أي ليل الكون وظلمة البدن
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12والنهار أي: نهار الإبداع والروح
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12آيتين يتوصل بهما إلى معرفة الذات والصفات
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فمحونا آية الليل بالفساد والفناء
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا آية النهار مبصرة منيرة باقية بكمالها تبصر بنورها الحقائق
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12لتبتغوا فضلا من ربكم وهو كمالكم الذي تستعدونه
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12ولتعلموا عدد السنين والحساب أي: لتحصوا عدد المراتب والمقامات من بدايتكم إلى نهايتكم بالترقي فيها وحساب أعمالكم وأخلاقكم وأحوالكم فتبدلوا السيئ من ذلك بالحسن
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وكل شيء من العلوم والحكم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فصلناه بنور عقولكم الفرقانية الحاصلة لكم عند الكمال تفصيلا لا إجمال فيه كما في مرتبة العقل القرآني الحاصل عند البداية
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه الآية. تقدم ما يصلح أن يكون من باب الإشارة فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا للصوفية في هذا الرسول كغيرهم قولان، فمنهم من قال: إنه رسول العقل، ومنهم من قال: رسول الشرع.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها الآية. فيها إشارة إلى أنه سبحانه إذا أراد أن يخرب قلب المريد سلط عليه عساكر هوى نفسه وجنود شياطينه فيخرب بسنابك خيول الشهوات وآفات الطبعيات نعوذ بالله تعالى من ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة لكدورة استعداده وغلبة هواه وطبيعته
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما عن ذوي العقول
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مدحورا في سخط الله تعالى وقهره
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة لصفاء استعداده وسلامة فطرته
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وسعى لها سعيها اللائق بها وهو السعي على سبيل الاستقامة وما ترتضيه الشريعة، وقال بعضهم: السعي إلى الدنيا بالأبدان، والسعي إلى الآخرة بالقلوب، والسعي على الله تعالى بالهمم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وهو مؤمن ثابت الإيمان لا تزعزعه عواصف الشبه
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19فأولئك كان سعيهم مشكورا مقبولا مثابا عليه، وعن
أبي حفص أن السعي المشكور ما لم يكن مشوبا برياء ولا بسمعة ولا برؤية نفس ولا بطلب عوض بل يكون خالصا لوجهه تعالى لا يشاركه في ذلك شيء فلا تغفل
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك لا تأثير لإرادتهم وسعيهم في ذلك، وإنما هي معرفات وعلامات لما قدرنا لهم من العطاء، ورأيت في الفتوحات المكية أن هذه الآية نحو قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فألهمها فجورها وتقواها وهو نحو ما تقدم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد سمعت ما فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20وما كان عطاء ربك محظورا عن أحد مطيعا كان أو عاصيا؛ لأن شأنه تعالى شأنه الإفاضة حسبما تقتضيه الحكمة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض في الدنيا بمقتضى المشيئة والحكمة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا فهناك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، رزقنا الله تعالى وإياكم ذلك، إنه سبحانه الجواد المالك.
وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الْآيَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا فِيهِ أَرْبَعُ إِشَارَاتٍ، إِشَارَةُ التَّقْدِيسِ بِسُبْحَانَ؛ فَهُوَ تَنْزِيهٌ لَهُ تَعَالَى عَنِ اللَّوَاحِقِ الْمَادِّيَّةِ وَالنَّقَائِصِ التَّشْبِيهِيَّةِ وَعَنْ جَمِيعِ مَا يَرْتَسِمُ فِي الْأَذْهَانِ، وَإِشَارَةُ الْغَيْرَةِ بِعَدَمِ ذِكْرِ الِاسْمِ الظَّاهِرِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى عَزَّتْ أَسْمَاؤُهُ، وَكَذَا بِعَدَمِ ذِكْرِ اسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِشَارَةُ الْغَيْبِ بِذِكْرِ ضَمِيرِ الْغَائِبِ، وَإِشَارَةُ السِّرِّ بِذِكْرِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَعَنْ بَعْضِ الْأَكَابِرِ: لَوْلَا اللَّيْلُ مَا أَحْبَبْتُ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ إِنَّ فِي اخْتِيَارِ عُنْوَانِ الْعُبُودِيَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا أَعْلَى الْمَقَامَاتِ، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ، وَأَصْلُهَا الذُّلُّ وَالْخُضُوعُ وَحَيْثُ إِنَّ الذُّلَّ لِشَيْءٍ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ دَلَّتِ الْعُبُودِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ وَكَمَالُهَا عَلَى كَمَالِهَا، وَمِنْ هُنَا فَسَّرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ بِقَوْلِهِ: إِلَّا لِيَعْرِفُونِ، وَهِيَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سَهْمًا بِعَدَدِ الْأَسْمَاءِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ لِكُلِّ اسْمٍ إِلَهِيٍّ عُبُودِيَّةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ يَتَعَبَّدُ لَهُ مَنْ يَتَعَبَّدُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِهَذَا الْمَقَامِ عَلَى كَمَالِهِ مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ عَبْدًا مَحْضًا زَاهِدًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي تُخْرِجُهُ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعُبُودِيَّةِ، وَشَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ مُضَافٌ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هَوِيتُهُ هُنَا وَاسْمُهُ الْجَامِعُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَمَّا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَعْرِيفِ مَقَامِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَيَّدَ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665443«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ».
بِالرَّاءِ أَوِ الزَّايِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ مَعْنَاهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ نَعْتًا إِلَهِيًّا أَصْلًا بَلْ هِيَ صِفَةٌ خَاصَّةٌ لَا اشْتِرَاكَ فِيهَا، فَقَدْ قَالَ
أَبُو يَزِيدَ الْبَسْطَامِيُّ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْهِ تَعَالَى إِذْ رَأَيْتُ كُلَّ نَعْتٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ لِلْأُلُوهِيَّةِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، بِمَاذَا أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: تَقَرَّبْ إِلَيَّ بِمَا لَيْسَ لِي. قُلْتُ: يَا رَبِّ، وَمَا الَّذِي لَيْسَ لَكَ؟ قَالَ: الذِّلَّةُ وَالِافْتِقَارُ.
وَذُكِرَ أَنَّ الْعَبْدَ مَعَ الْحَقِّ فِي حَالِ عُبُودِيَّتِهِ كَالظِّلِّ مَعَ الشَّخْصِ فِي مُقَابَلَةِ السِّرَاجِ كُلَّمَا قَرُبَ إِلَى السِّرَاجِ عَظُمَ الظِّلُّ، وَلَا قُرْبَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بِمَا هُوَ لَكَ وَصْفٌ أَخَصُّ لَا لَهُ سُبْحَانَهُ، وَكُلَّمَا بَعُدَ عَنِ السِّرَاجِ صَغُرَ الظِّلُّ، فَإِنَّهُ مَا يُبْعِدُكَ عَنِ الْحَقِّ إِلَّا خُرُوجُكَ عَنْ صِفَتِكَ الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا وَطَمَعُكَ فِي صِفَتِهِ تَعَالَى، كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ، وَهُمَا صِفَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى: وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ وَهُمَا كَذَلِكَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=657759«أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ».
وَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ اللَّيْلَ بِظُلْمَةِ الْغَوَاشِي الْبَدَنِيَّةِ وَالتَّعَلُّقَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ وَقَالَ: إِنَّ التَّرَقِّيَ وَالْعُرُوجَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الْبَدَنِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَرِيَ بِهِ وَكَذَا عُرِجَ يَقَظَةً لَمْ يُفَارِقْ بَدَنَهُ إِلَّا أَنَّ الْعَارِفَ
الْجَامِيَّ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ إِلَى الْمُحَدَّدِ ثُمَّ أُلْقِيَ الْبَدَنُ هُنَاكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَفِي أَسْرَارِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ رُؤْيَةِ أَفْعَالِهِ إِلَى رُؤْيَةِ صِفَاتِهِ وَمِنْ رُؤْيَةِ صِفَاتِهِ إِلَى رُؤْيَةِ ذَاتِهِ فَرَأَى الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَكَانَتْ صُورَتُهُ رُوحَهُ وَرُوحُهُ عَقْلَهُ وَعَقْلُهُ قَلْبَهُ وَقَلْبُهُ سِرَّهُ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْإِسْرَاءُ وَإِلَّا فَإِرَادَةُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ الَّذِي فِي الْآيَةِ هُوَ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِسْرَاءَ غَيْرُ الْمِعْرَاجِ، نَعَمْ قَدْ يُطْلِقُونَ الْإِسْرَاءَ عَلَى الْمِعْرَاجِ بَلْ قِيلَ: إِنَّهُمَا إِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وَإِذَا
[ ص: 51 ] افْتَرَقَا اجْتَمَعَا، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ لِجَمِيعِ الْوَارِثِينَ مِعْرَاجًا إِلَّا أَنَّهُ مِعْرَاجُ أَرْوَاحٍ لَا أَشْبَاحٍ وَإِسْرَاءُ أَسْرَارٍ لَا أَسْوَارٍ، وَرُؤْيَةُ جَنَانٍ لَا عِيَانٍ، وَسُلُوكُ ذَوْقٍ وَتَحْقِيقٍ لَا سُلُوكُ مَسَافَةٍ وَطَرِيقٍ إِلَى سَمَوَاتِ مَعْنًى لَا مَغْنًى، وَهَذَا الْمِعْرَاجُ مُتَفَاوِتٌ حَسْبَ تَفَاوُتِ مَرَاتِبِ الرِّجَالِ، وَقَدْ ذَكَرَ
الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي مِعْرَاجِهِ مَا يُحَيِّرُ الْأَلْبَابَ وَيَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبَ الْعُجَابَ وَلَمْ يُسْتَبْعَدْ ذَلِكَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خَتَمَ الْوِلَايَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ عِنْدَهُمْ، وَمِنْ عَجَائِبِ مَا اتَّفَقَ فِي زَمَانِنَا أَنَّ رَجُلًا يُدْعَى
بِعَبْدِ السَّلَامِ نَائِبِ الْقَاضِي فِي
بَغْدَادَ وَكَانَ جَسُورًا عَلَى الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ شَرَعَ فِي تَرْجَمَةِ مِعْرَاجِ الشَّيْخِ قُدِّسَ سِرُّهُ بِالتُّرْكِيَّةِ مَعَ شَرْحِ بَعْضِ مُغْلِقَاتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ خَبَايَا هَاتِيكَ الزَّوَايَا فَقَبْلَ أَنْ يُتِمَّ مَرَامَهُ ابْتُلِيَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى بِآكِلَةٍ فِي فَمِهِ فَأَكَلَتْهُ إِلَى أُذُنَيْهِ فَمَاتَ وَعُرِجَ بِرُوحِهِ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَنُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ قُدِّسَ سِرُّهُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ وَقَعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ مَرَّةً، وَفِي كَلَامِ
الشَّيْخِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعَرَانِيِّ أَنْ إِسْرَاءَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَتْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَاحِدٌ مِنْهَا بِجِسْمِهِ وَالْبَاقِي بِرُوحِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى وَخُصَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْإِسْرَاءِ وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ خَرْقِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْعُلُوِّ إِلَى قَابِ قَوْسَيْنِ وَوَطْئِهِ مَكَانًا مَا وَطِئَهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَأَنْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ الطَّوِيلَةَ فِي الزَّمَنِ الْقَصِيرِ مِمَّا يَكُونُ كَرَامَةً لِلْوَلِيِّ، وَالْمَشْهُورُ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ بِطَيِّ الْمَسَافَةِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، وَأَنْكَرَ ثُبُوتَهُ لِلْأَوْلِيَاءِ الْحَنَفِيَّةُ، وَمِنْهُمُ
ابْنُ وَهْبَانَ قَالَ:
وَمَنْ لِوَلِيٍّ قَالَ طَيُّ مَسَافَةٍ يَجُوزُ جَهُولٌ ثُمَّ بَعْضٌ يَكْفُرُ
وَهَذَا مِنْهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ: إِذَا وُلِدَ لِمَغْرِبِيٍّ وَلَدٌ مِنَ امْرَأَتِهِ الْمَشْرِقِيَّةِ مَثَلًا يُلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَقِيَا ظَاهِرًا غَرِيبٌ، وَالْكُتُبُ مَلْأَى مِنْ حِكَايَاتِ الثِّقَاتِ هَذِهِ الْكَرَامَةَ لِكَثِيرٍ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَكَأَنَّ مُجْهِلَ قَائِلِهَا بَنَى تَجْهِيلَهُ عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا بِتَدَاخُلِ الْجَوَاهِرِ وَقَدْ أَحَالَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ خِلَافًا لِلنِّظَامِ وَبَرْهَنُوا عَلَى اسْتِحَالَتِهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَادَّعَى بَعْضُهُمُ الضَّرُورَةَ فِي ذَلِكَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ فِي الزَّمَنِ الْقَصِيرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَدَاخُلِ الْجَوَاهِرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِالسُّرْعَةِ كَمَا قَالُوا فِي الْإِسْرَاءِ فَلْيُثْبَتْ لِلْأَوْلِيَاءِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ عَلَى أَنَّ الْكَرَامَاتِ كَالْمُعْجِزَاتِ مَجْهُولَةُ الْكَيْفِيَّةِ فَنُؤْمِنُ بِمَا صَحَّ مِنْهَا وَنُفَوِّضُ كَيْفِيَّتَهُ إِلَى مَنْ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمِثْلُ طَيِّ الْمَسَافَةِ مَا يَحْكُونَهُ مِنْ نَشْرِ الزَّمَانِ وَأَنَا مُؤْمِنٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ بِمَا يَصِحُّ نَقْلُهُ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، وَالْمُكَفِّرُ جَهُولٌ، وَالْمُجِهِّلُ لَيْسَ بِرَسُولٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَأُوِّلَ
الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِمَقَامِ الْقَلْبِ الْمُحْتَرَمِ عَنْ أَنْ يَطُوفَ بِهِ مُشْرِكُو الْقُوَى الْبَدَنِيَّةِ وَيُرْتَكَبَ فِيهِ فَوَاحِشُهَا وَخَطَايَاهَا،
وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى بِمَقَامِ الرُّوحِ الْأَبْعَدِ مِنَ الْعَالَمِ الْجِسْمَانِيِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا أَيْ آيَاتِ صِفَاتِنَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَيْنَا وَنَحْنُ الْمُشَاهِدُونَ بِهَا وَإِلَّا فَأَصْلُ مُشَاهَدَةِ الصِّفَاتِ فِي مَقَامِ الْقَلْبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا قَالَ
سَهْلٌ: أَيْ: إِنْ عُدْتُمْ إِلَى الْمَعْصِيَةِ عُدْنَا إِلَى الْمَغْفِرَةِ، وَإِنْ عُدْتُمْ إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنَّا عُدْنَا إِلَى الْإِقْبَالِ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عُدْتُمْ إِلَى الْفِرَارِ مِنَّا عُدْنَا إِلَى أَخْذِ الطَّرِيقِ عَلَيْكُمْ لِتَرْجِعُوا إِلَيْنَا.
وَقَالَ
الْوَرَّاقُ: إِنْ عُدْتُمْ إِلَى الطَّاعَةِ عُدْنَا إِلَى التَّيْسِيرِ وَالْقَبُولِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الْآيَةَ. أَيْ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَعْرِفُ أَهْلُهُ بِنُورِهِ أَقَوْمَ الطُّرُقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ طَرِيقُ الطَّاعَةِ وَالِاقْتِدَاءِ بِمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ يُوصِلُ إِلَّا ذَلِكَ وَلِلَّهِ تَعَالَى دَرُّ مَنْ قَالَ:
وَأَنْتَ بَابُ اللَّهِ أَيُّ امْرِئٍ أَتَاهُ مِنْ غَيْرِكَ لَا يَدْخُلُ
وَذَكَرُوا أَنَّ الْقُرْآنَ يُرْشِدُ بِظَاهِرِهِ إِلَى مَعَانِي بَاطِنِهِ وَبِمَعَانِي بَاطِنِهِ إِلَى نُورِ حَقِيقَتِهِ، وَبِنُورِ حَقِيقَتِهِ إِلَى أَصْلِ
[ ص: 52 ] الصِّفَةِ، وَبِالصِّفَةِ إِلَى الذَّاتِ فَطُوبَى لِمَنِ اسْتَرْشَدَ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يَدُلُّهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
إِذَا نَحْنُ أَدْلَجْنَا وَأَنْتَ أَمَامَنَا كَفَى لِمَطَايَانَا بِنُورِكَ هَادِيَا
وَيُبَشِّرُ أَهْلَهُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَهُ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَ الْمُشَاهَدَةِ وَكَشْفِهَا بِلَا حِجَابٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=11وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَدَبٍ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32045آدَابِ الدُّعَاءِ وَهُوَ عَدَمُ الِاسْتِعْجَالِ فَيَنْبَغِي لِلسَّالِكِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَعْرِفَ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ فَيَدْعُوَ بِهِ، وَقَالَ
سَهْلٌ: أَسْلَمُ الدَّعَوَاتِ الذِّكْرُ وَتَرْكُ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ فِي الذِّكْرِ الْكِفَايَةَ، وَرُبَّمَا يَسْأَلُ الْإِنْسَانُ مَا فِيهِ هَلَاكُهُ وَلَا يَشْعُرُ، وَفِي الْأَثَرِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665220يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى شَأْنُهُ: مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرَى عَنْ مَسْأَلَتِي أُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ السَّائِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ أَيْ لَيْلَ الْكَوْنِ وَظُلْمَةَ الْبَدَنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَالنَّهَارَ أَيْ: نَهَارَ الْإِبْدَاعِ وَالرُّوحِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12آيَتَيْنِ يُتَوَصَّلُ بِهِمَا إِلَى مَعْرِفَةِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ بِالْفَسَادِ وَالْفَنَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً مُنِيرَةً بَاقِيَةً بِكَمَالِهَا تُبَصِّرُ بِنُورِهَا الْحَقَائِقَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَهُوَ كَمَالِكُمُ الَّذِي تَسْتَعِدُّونَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ أَيْ: لِتُحْصُوا عَدَدَ الْمَرَاتِبِ وَالْمَقَامَاتِ مِنْ بِدَايَتِكُمْ إِلَى نِهَايَتِكُمْ بِالتَّرَقِّي فِيهَا وَحِسَابِ أَعْمَالِكُمْ وَأَخْلَاقِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ فَتُبَدِّلُوا السَّيِّئَ مِنْ ذَلِكَ بِالْحَسَنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَكُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12فَصَّلْنَاهُ بِنُورِ عُقُولِكُمُ الْفُرْقَانِيَّةِ الْحَاصِلَةِ لَكُمْ عِنْدَ الْكَمَالِ تَفْصِيلًا لَا إِجْمَالَ فِيهِ كَمَا فِي مَرْتَبَةِ الْعَقْلِ الْقُرْآنِيِّ الْحَاصِلِ عِنْدَ الْبِدَايَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ الْآيَةَ. تَقَدَّمَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا لِلصُّوفِيَّةِ فِي هَذَا الرَّسُولِ كَغَيْرِهِمْ قَوْلَانِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ رَسُولُ الْعَقْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: رَسُولُ الشَّرْعِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا الْآيَةَ. فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُخَرِّبَ قَلْبَ الْمُرِيدِ سَلَّطَ عَلَيْهِ عَسَاكِرَ هَوَى نَفْسِهِ وَجُنُودَ شَيَاطِينِهِ فَيُخَرِّبُ بِسَنَابِكِ خُيُولِ الشَّهَوَاتِ وَآفَاتِ الطَّبْعِيَّاتِ نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ لِكُدُورَةِ اسْتِعْدَادِهِ وَغَلَبَةِ هَوَاهُ وَطَبِيعَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا عَنْ ذَوِي الْعُقُولِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَدْحُورًا فِي سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَهْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ لِصَفَاءِ اسْتِعْدَادِهِ وَسَلَامَةِ فِطْرَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا اللَّائِقَ بِهَا وَهُوَ السَّعْيُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقَامَةِ وَمَا تَرْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السَّعْيُ إِلَى الدُّنْيَا بِالْأَبْدَانِ، وَالسَّعْيُ إِلَى الْآخِرَةِ بِالْقُلُوبِ، وَالسَّعْيُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْهِمَمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَهُوَ مُؤْمِنٌ ثَابِتُ الْإِيمَانِ لَا تَزَعْزُعُهُ عَوَاصِفُ الشُّبَهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا مَقْبُولًا مُثَابًا عَلَيْهِ، وَعَنْ
أَبِي حَفْصٍ أَنَّ السَّعْيَ الْمَشْكُورَ مَا لَمْ يَكُنْ مَشُوبًا بِرِيَاءٍ وَلَا بِسُمْعَةٍ وَلَا بِرُؤْيَةِ نَفْسٍ وَلَا بِطَلَبِ عِوَضٍ بَلْ يَكُونُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ تَعَالَى لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَلَا تَغْفُلْ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ لَا تَأْثِيرَ لِإِرَادَتِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ مُعَرَّفَاتٌ وَعَلَامَاتٌ لِمَا قَدَّرْنَا لَهُمْ مِنَ الْعَطَاءِ، وَرَأَيْتُ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=8فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا وَهُوَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَدْ سَمِعْتُ مَا فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=20وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا عَنْ أَحَدٍ مُطِيعًا كَانَ أَوْ عَاصِيًا؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ تَعَالَى شَأْنُهُ الْإِفَاضَةُ حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الدُّنْيَا بِمُقْتَضَى الْمَشِيئَةِ وَالْحِكْمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=21وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا فَهُنَاكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، رَزَقَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمْ ذَلِكَ، إِنَّهُ سُبْحَانَهُ الْجَوَادُ الْمَالِكُ.