الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      السلطان علاء الدين خوارزمشاه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تكش بن ألب أرسلان بن أتسز
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من ولد طاهر بن الحسين ، وهو صاحب خوارزم وبعض خراسان والري وغير ذلك من الأقاليم المتسعة ، وهو الذي قطع دولة السلاجقة ، كان عادلا حسن السيرة ، وله معرفة جيدة بالموسيقى ، حسن المعاشرة ، فقيها على مذهب أبي حنيفة ، ويعرف الأصول وبنى للحنفية مدرسة عظيمة ، ودفن بتربة بناها بخوارزم ، وقام في الملك من بعده ولده علاء الدين محمد ، وكان يلقب بقطب الدين . وفيها قتل وزير السلطان خوارزم شاه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نظام الدين مسعود بن علي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان حسن السيرة ، شافعي المذهب ، له مدرسة عظيمة بخوارزم ، وجامع هائل ، وبنى بمرو جامعا عظيما [ ص: 695 ] للشافعية ، فحسدهم الحنابلة ، وشيخهم بها يقال له : شيخ الإسلام . فيقال : إنهم أحرقوه . وهذا إنما يصدر من قلة الدين والعقل واحترام معابد الإسلام ، فأغرمهم السلطان خوارزمشاه ما غرم الوزير على بنائه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي الشيخ المسند المعمر رحلة الوقت

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن صدقة بن الخضر بن كليب الحراني الأصل ، البغدادي المولد والدار والوفاة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، عن ست وتسعين سنة ، سمع الكثير وأسمع ، وتفرد بالرواية عن جماعة من المشايخ ، وكان من أعيان التجار وذوي الثروة ؛ رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الفقيه مجد الدين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو محمد طاهر بن نصر بن جهبل ، مدرس القدس الشريف ، أول من درس بالصلاحية ، وهو والد الفقهاء ; بني جهبل الذين كانوا بالمدرسة الجاروخية ، ثم صاروا إلى العمادية والدماغية في أيامنا هذه ، ثم ماتوا ولم يبق إلا شرحهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير صارم الدين قايماز بن عبد الله النجمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان من أكابر الدولة [ ص: 696 ] الصلاحية كان عند صلاح الدين بمنزلة أستادار ؛ وهو الذي تسلم القصر حين مات العاضد ، فحصل له أموال جزيلة جدا ، وكان كثير الصدقات والأوقاف ، تصدق في يوم بسبعة آلاف دينار عينا ، وهو واقف المدرسة القيمازية شرقي القلعة المنصورة ، وقد كانت دار الحديث الأشرفية دارا لهذا الأمير ، وله بها حمام ، فاشترى ذلك الملك الأشرف فيما بعد موسى بن العادل ، وبناها دار حديث ، وأخرب الحمام وبناه مسكنا للشيخ المدرس بها ، ولما توفي ودفن في قبره ، نبشت دوره وحواصله ، وكان متهما بمال جزيل ، فكان متحصل ما جمع من ذلك مائة ألف دينار ، وكان يظن أن عنده أكثر من ذلك ، ولكن كان يدفن أمواله في الخراب من أراضي ضياعه وقراياه . فسامحه الله وبل بالرحمة ثراه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير الكبير لؤلؤ

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد الحجاب بالديار المصرية ، كان من أكابر الأمراء في الدولة الصلاحية ، وهو الذي كان يتسلم الأسطول بالبحر ، فيكون كالشجا في حلوق الفرنج والنحر في النحر ، فكم من شجاع قد أسر ، وكم من مركب قد [ ص: 697 ] كسر ، وكم من أسطول لهم قد فرق شمله ، ومن بطسة وقارب قد غرق أهله ، وقد كان مع كثرة جهاده دار الصدقات ، كثير النفقات في كل يوم ، وكان بديار مصر غلاء شديد فتصدق باثني عشر ألف رغيف ، لاثني عشر ألف فقير ؛ فجزاه الله خيرا ورحمة في قبره ، وبيض وجهه يوم محشره ومنشره ؛ آمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام الفقيه العلامة شهاب الدين الطوسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد مشايخ الشافعية بديار مصر ، وشيخ المدرسة المنسوبة إلى تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب التي يقال لها : منازل العز . وهو من أصحاب محمد بن يحيى تلميذ الغزالي ، كان له قدر ومنزلة عند ملوك مصر ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، إلى أن توفي ؛ رحمه الله ، في هذه السنة ، فازدحم الناس على جنازته ، وتأسفوا عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ ظهير الدين عبد السلام الفارسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخ الشافعية بحلب ، أخذ الفقه عن محمد بن يحيى تلميذ الغزالي ، وتلمذ للفخر الرازي ، ورحل إلى مصر فعرض عليه أن يدرس بتربة الشافعي فلم يقبل ، فسار إلى حلب فأقام بها إلى أن توفي في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ العلامة بدر الدين بن عسكر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رئيس الحنفية بدمشق ، قال أبو شامة : ويعرف بابن العقادة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 698 ] الشاعر الماهر الهمام العبدي ، وهو أبو الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علي بن نصر بن عقيل بن أحمد بن علي بن عبد القيس بن ربيعة وهو بغدادي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، قدم دمشق في سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، ومعه ديوان شعر له ، فيه درر حسان وفرائد وعقائد وعقيان ، وقد تصدى لمدح الملك الأمجد صاحب بعلبك ومن قبله وله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما الناس إلا كامل الحظ ناقص وآخر منهم ناقص الحظ كامل     وإني لمثر من حياء وعفة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإن لم يكن عندي من المال طائل



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي : القاضي الفاضل الإمام العلامة شيخ الفصحاء والبلغاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي عبد الرحيم بن القاضي الأشرف

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبي المجد علي بن الحسن بن البيساني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المولى الأجل القاضي الفاضل ، كان أبوه قاضيا بعسقلان ، فأرسل ولده في الدولة الفاطمية إلى الديار المصرية ، فاشتغل بها بكتابة الإنشاء على أبي الفتح قادوس وغيره ، فساد أهل البلاد حتى بغداد ولم يكن له في زمانه نظير ، ولا عديد ولا فيما بعده إلى وقتنا هذا مماثل ولا مناظر ولا نديد ، ولما استقر الملك صلاح الدين في الديار المصرية جعله كاتبه وصاحبه ووزيره وجليسه وأنيسه ، وكان أعز عليه من أهله وأولاده ، وأكرم عليه من طريفه وتلاده ، وتساعدا حتى فتح الأقاليم والبلدان والحصون والمعاقل ، هذا بحسامه وسنانه ، وهذا بقلمه ولسانه وبيانه ، وقد كان القاضي الفاضل من كثرة أمواله ووجاهته ورياسته كثير الصدقات [ ص: 699 ] والصلات والصيام والصلاة ، وكان يواظب كل يوم وليلة على ختمة كاملة ، مع ما يزيد عليها من نافلة ، رحيم القلب ، حسن السيرة ، طاهر القلب والسريرة ، له مدرسة بديار مصر على الشافعية والمالكية ، وأوقاف على تخليص الأسارى من أيدي النصارى ، وقد اقتنى من الكتب نحوا من مائة ألف كتاب ، وهذا شيء لم يفرح به أحد من الوزراء ولا العلماء ولا الملوك ولا الكتاب ، كان مولده في سنة ثنتين وثلاثين وخمسمائة ، وقد كانت وفاته في يوم دخل العادل إلى قصر مصر بمدرسته فجأة ، يوم الثلاثاء سادس ربيع الآخر ، واحتفل الناس بجنازته ، وزار قبره في اليوم الثاني الملك العادل ، وتأسف عليه ، ويقال : إنه استوزر الملك العادل صفي الدين بن شكر ، فلما سمع الفاضل بذلك دعا الله أن لا يحييه إلى هذه الدولة ، لما بينهما من المنافسة ، فمات ؛ رحمه الله ، ولم ينله أحد بضيم ولا أذى ، ولا رأى في الدولة من هو أكبر منه ، وقد رثاه الشعراء بأشعار حسنة ، منها قول القاضي هبة الله بن سناء الملك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الرحيم على البرية رحمة     أمنت بصحبتها حلول عقابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا سائلا عنه وعن أسبابه     نال السماء فسله عن أسبابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والدهر يعلم أن فيصل خطبه     بخطا يراعته وفصل خطابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولقد علت رتب الأجل على الورى     بسمو منصبها وطيب نصابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأتته خاطبة إليه وزارة     ولطالما أعيت على خطابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 700 ] ما لقبوه بها لأن يعلو بها     أسماؤه أغنته عن ألقابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمان لغيره إذ رامها     تربت يمينك لست من أترابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      اذهب طريقك لست من أربابها     وارجع وراءك لست من أصحابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبعز سيدنا وسيد غيرنا     ذلت من الأيام شمس صعابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأتت سعادته إلى أبوابه     لا كالذي يسعى إلى أبوابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تعنو الملوك لوجهه بوجوهها     لا بل تساق لبابه برقابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شغل الملوك بما يزول ونفسه     مشغولة بالذكر في محرابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في الصوم والصلوات أتعب نفسه     وضمان راحته على إتعابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتعجل الإقلاع عن لذاته     ثقة بحسن مآلها ومآبها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلتفخر الدنيا بسائس ملكها     منه ودارس علمها وكتابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صوامها قوامها علامها     عمالها بذالها وهابها



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والعجب أن القاضي الفاضل مع براعته وفصاحته التي لا تدانى ولا تجارى لا يعرف له قصيدة طويلة طنانة ، بل له ما بين بيت وبيتين في أثناء الرسائل وغيرها شيء كثير جدا ، فمن ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سبقتم بإسداء الجميل تكرما     وما مثلكم فيمن تحدث أو حكى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان ظني أن أسابقكم به     ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن ذلك قوله :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 701 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولي صاحب ما خفت من جور حادث     من الدهر إلا كان لي من ورائيه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا عضني صرف الزمان فإنني     براياته أسطو عليه ورائيه



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله في بدو أمره :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أرى الكتاب كلهم جميعا     بأرزاق تعمهم سنينا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما لي بينهم رزق كأني     خلقت من الكرام الكاتبينا



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله في النحلة والزلقطة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومغردين تجاوبا في مجلس     فنفاهما لأذاهما الأقوام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هذا يجود بعكس ما يأتي به     هذا فيحمد ذا وذاك يذام



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله في ممسحة القلم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ممسحة نهارها يجن ليل الظلم     كأنها من طرفها منديل كف القلم



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بتنا على حال تسر الهوى     لكنه لا يمكن الشرح
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بوابنا الليل وقلنا له     إن غبت عنا هجم الصبح

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسأله الملك العزيز عثمان بن الناصر عن جارية من حظاياه ؛ أرسلت إليه زرا من ذهب مغلف بعنبر أسود ، فأنشأ الفاضل يقول : [ ص: 702 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أهدت لك العنبر في وسطه     زر من التبر رقيق اللحام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فالزر في العنبر معناهما     زر هكذا مختفيا في الظلام



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال القاضي ابن خلكان وقد اختلف في لقبه ، فقيل : محيي الدين ، وقيل : مجير الدين . وحكي عن عمارة اليمني أنه ذكره بذكر جميل ، وأن العادل بن الصالح بن رزيك هو الذي استقدمه من الإسكندرية ، وقد كان معدودا في حسناته . وقد بسط ابن خلكان ترجمته بنحو ما ذكرنا ، وفي هذه زيادة كثيرة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية