الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير الكبير فلك الدين ، أبو منصور سليمان بن شروة بن خلدك أخو الملك العادل لأمه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت وفاته في التاسع والعشرين من المحرم ، ودفن [ ص: 724 ] بداره التي جعلها مدرسة داخل باب الفراديس في محلة الأفتريس ، وأوقف عليها الجمان بكمالها ؛ تقبل الله منه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القاضي الضياء الشهرزوري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفضائل ، القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري الموصلي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة ببغداد ، وهو ابن أخي قاضي القضاة بدمشق كمال الدين الشهرزوري أيام نور الدين ، ولما توفي سنة ست وسبعين في أيام الدولة الصلاحية أوصى لولد أخيه هذا بالقضاء فوليه ، ثم عزل عنه بابن أبي عصرون ، وعوض بالسفارة إلى الملوك ، ثم تولى قضاء بلدة الموصل ، ثم استدعي إلى بغداد فوليها سنتين وأربعة أشهر ، ثم استقاله فلم يقله الخليفة لحظوته عنده ، فاستشفع بزوجته ست الملوك على أم الخليفة ، وكانت لها مكانة عندها ، فأجيب إلى ذلك ، فصار إلى قضاء حماة لمحبته إياها ، وكان يعاب عليه ذلك ، وكانت لديه فضائل ، وله أشعار رائقة ، وكانت وفاته بحماة في المنتصف من رجب ؛ رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبيد الله بن علي بن نصر بن حمزة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو بكر البغدادي المعروف بابن المرستانية ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد الفضلاء المشهورين ، سمع الحديث وجمعه ، وكان طبيبا منجما يعرف علوم الأوائل وأيام الناس ، وصنف ديوان الإسلام في تاريخ دار السلام ، [ ص: 725 ] ورتبه على ثلاثمائة وستين كتابا إلا أنه لم يشتهر ، وجمع سيرة ابن هبيرة وقد كان يزعم أنه من سلالة الصديق ، فتكلموا فيه بسبب ذلك . وأنشد بعضهم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دع الأنساب لا تعرض لتيم فإن الهجن من ولد الصميم     لقد أصبحت من تيم دعيا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كدعوى حيص بيص إلى تميم



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن النجا الواعظ

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علي بن إبراهيم بن نجا ، زين الدين أبو الحسن الدمشقي ، الواعظ الحنبلي ، وسبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الحنبلي . قدم بغداد فتفقه بها ، وسمع الحديث ، ثم رجع إلى بلده ، ثم عاد إليها رسولا من جهة نور الدين في سنة أربع وستين ، وحدث بها ، ثم كانت له حظوة عند الملك الناصر صلاح الدين ، وهو الذي نم على عمارة اليمني وذويه فصلبوا ، وكانت له مكانة بمصر ، وقد تكلم يوم الجمعة التي خطب فيها بالقدس الشريف بعد الفراغ من الجمعة ، وكان وقتا مشهودا ، وكان يعيش عيشا أطيب من عيش الملوك في الأطعمة والملابس ، وكان عنده عشرون سرية ، كل واحدة بألف دينار ، وبعد هذا كله مات فقيرا لم يخلف كفنا ، وقد أنشد وهو على منبره للوزير طلائع بن رزيك شعرا فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مشيبك قد قضى صبغ الشباب     وحل الباز في وكر الغراب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 726 ] تنام ومقلة الحدثان يقظى     وما ناب النوائب عنك ناب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكيف بقاء عمرك وهو كنز     وقد أنفقت منه بلا حساب



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ أبو البركات

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن أحمد بن سعيد التكريتي يعرف بالمؤيد ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان أديبا شاعرا ، ومما نظمه في الوجيه النحوي - حين كان حنبليا ، فانتقل حنفيا ، ثم صار شافعيا - في حلقة النحو بالنظامية :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا مبلغ عني الوجيه رسالة     وإن كان لا تجدي لديه الرسائل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل     وذلك لما أعوزتك المآكل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما اخترت رأي الشافعي تدينا     ولكنما تهوى الذي هو حاصل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعما قليل أنت لا شك صائر     إلى مالك فافطن لما أنت قائل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ؟

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الست الجليلية المصونة زمرد خاتون

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أم الخليفة الناصر لدين الله بن المستضيء ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كانت صالحة عابدة كثيرة البر والصلات والأوقاف [ ص: 727 ] والصدقات ، عمرت المصانع بطريق الحجاز الشريف ، وأصلحت الطرقات ، وبنت لها تربة إلى جانب قبر معروف الكرخي ، وكانت جنازتها مشهودة جدا ، واستمر العزاء بسببها شهرا ، عاشت في خلافة ولدها أربعا وعشرين سنة نافذة الكلمة مطاعة الأوامر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة كان مولد الشيخ شهاب - الدين أبي شامة ، وقد ترجم نفسه عند ذكر مولده في هذه السنة في " الذيل " ترجمة مطولة ، فينقل إلى سنة وفاته ؛ رحمه الله ، وذكر بدء أمره واشتغاله ، ومصنفاته وشيئا كثيرا من أشعاره ، وما رئي له من المنامات المبشرة . وفي هذه السنة كان ابتداء ملك جنكزخان ملك التتار - لعنه الله - وجنكزخان هو صاحب الياسق ، وضعها ليتحاكم إليها التتار ومن اتبعهم من أمراء الترك - ممن يبتغي حكم الجاهلية - وهو والد تولي ، وجد هولاكو بن تولي - الذي قتل الخليفة المستعصم وأهل بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة ، كما سيأتي بيانه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية